يعود تاريخ المدينة الحديث إلى 536 هجرية الموافق 1142 للميلاد حين أسسها الشريف عبد المومن بن صالح تلميذ القاضي عياض السبتي في ذات السنة التي أسس فيها الحاج عثمان رفيقه في السفر وزميله في الدراسة على القاضي عياض مدينة وادان إحدى حواضر العلم ومحطات التجارة الموريتانية المشهورة ،وقد وصف الرحالة البرتغالي فرنا نديس مدينة تيشيت في رحلته بين عامي 1506 و1507 م ويعود أصل تسميتها على الأرجح إلى كلمة ( تي شئت) أي بمعنى هذه اخترت،يقال أن مؤسس المدينة الشريف عبد المومن عند ما نظر إلي موقع المدينة الحالي من فوق الجبل المطل عليها أعجبه موقعها الجميل فأشار بيده قائلا تي شئت أي هذه اخترت فوقع اختياره علي هذا المكان الجميل المبارك فكان أول ما بناه هو المسجد
.
ومنذ تأسيسها وهي في ذات المكان الذي أنشأت عليه حتى الآن رغم مضي أكثر من ثمانية قرون ورغم سنوات القحط والجفاف والتصحر وهجرة السكان في أواخر هذا القرن .
الموقع الجغرافي :
تقع تيشيت بين هضبتين علي بعد 240كلم إلي الشرق من مدينة تجكجة عاصمة ولاية تكانت 600 كلم شرقي العاصمة انواكشوط بالجمهورية الإسلامية الموريتانية وتشكل المدينة بهضابها و واحات نخيلها الوارفة وكثبانها الرملية البيضاء لوحة طبيعية رائعة الجمال تتعانق فيها الألوان الزاهية
الموقع الاستراتيجي للمدينة :
لقد تميزت مدينة تيشيت منذ تأسيسها بموقعها الاستراتيجي حيث كانت مركز عبور رئيسي للقوافل التجارية وملتقى للطرق الرابطة بين المغرب الأقصى وتيرس وآدرار شمالا من جهة والحوضين و مالي والنيجر من جهة أخرى.مما جعل منها مدينة تجارية رائدة تتنوع فيها البضائع والسلع من مختلف البلدان ومنارة علمية تهوى إليها الأفئدة .
النشاط الاقتصادي:
إضافة إلى دورها العلمي والثقافي الدائم الذي اشتهرت به منذ تأسيسها ‘ شهدت مدينة تيشيت نشاطات اقتصادية ساهمت في انتعاشها وجعلها نقطة عبور لا غنى عنها للقوافل التجارية ‘فقد اهتم السكان بالزراعة (النخيل خاصة وبعض الزراعات الموسمية ) وكذا التنمية الحيوانية إضافة إلى بعض الصناعات الحرفية واستغلال الملح الموجود في السبخة المتاخمة للمدينة .
المكانة العلمية والحضارية:
منذ تأسيسها عرفت تيشيت بالعلم وقد أنجبت المدينة علماء أجلاء كان لهم صيتهم في كافة أرجاء البلاد والمناطق المجاورة لها وأصبحت قبلة لطالبي العلم الذين وفدوا إليها من كل أنحاء الوطن لينهلوا من معين معارفها وليأخذوا العلم من أفواه علماءها العظام الذين نذكر من بينهم على سبيل المثال لا الحصر
الحاج الحسن ولد أغبدي الزيدي
محمدو ولد فاضل الشريف
احمدو بن فاضل الشريف
الشريف حماه الله صاحب النوازل
احمد الصغير وابنه محمد و بن احمد الصغير
انبال بن امحمد حماه الله
شيخنا بوي احمد بن بعسري .
ومن طالبي العلم الذين وفدوا على المدينة للدراسة نذكر كذالك على سبيل المثال العلماء الأجلاء
الشيخ سيد يا
سيد عبد الله بن الحاج إبراهيم
الطالب احمد بن اطوير الجنة
الشيخ سيد المختار الكنتي وغيرهم …
كما عرفت بمكتباتها الغنية بأمهات الكتب ونوادر المخطوطات في مختلف العلوم الإسلامية والعربية ‘الوافدة عبر القوافل التجارية و الرحلات العلمية والدينية لأداء فريضة الحج أو البحث ،مرورا بالحواضر العربية و الإسلامية العريقة ،حيث تتوفر على ما يفوق 7000 مخطوط فقد عرف أهل المدينة باقتناء الكتب بأغلى الأثمان لتوفيرها لطلاب العلم الذي شدوا رحالهم إليها لينهلوا من معارفها
وتشتهر تيشيت بمسجدها العتيق ومنارته الشهيرة التي يبلغ ارتفاعها 16 م كما تشتهر بعمارتها ذات الطابع العربي الإسلامي المتميز،ولأهميتها ومكانتها العلمية والحضارية فقد جعلت منها منظمة اليونسكو العالمية مدينة حضارية وتاريخية تشكل تراثا للإنسانية جمعاء
كما قاومت المدينة وسكانها المستعمر في أوائل هذا القرن مقاومة ثقافية هامة ولم تفلح كل محاولاته رغم تحويله المدينة في عام 1932 م إلى مقاطعة من أولى مقاطعات البلاد كافة.
مناخ المدينة :
يعتبر المناخ في المدينة مناخا صحراويا حيث البرودة شتاء والحرارة صيفا وتوجد بالقرب من المدينة مملحة (السبخة) ومناطق رعوية غنية (آوكار) ( ادافر) ظلت صامدة رغم سنوات القحط الطويلة
السياحة :
يعد موقع المدينة مغريا من حيث الطبيعة الساحرة للمدينة فهناك المعالم الطبيعية كالواحات الغناء والمناظر الفتانة ذات الألوان الجميلة حيث يتداخل الأبيض مع الأزرق والأسود مع الأصفر والرمادي مع الأحمر في تناسق بديع .
وتتوفر المدينة كذالك على مطار طبيعي يستطيع استقبال معظم الطائرات. أما المعالم الحضارية والثقافية فهي كثيرة بدورها ‘وفي هذا الصدد تزخر مدينة تيشيت باكبرعدد من المخطوطات على الصعيد الوطني ‘كما يشكل المسجد بمنارته معلما حضاريا آخر وشاهدا حيا على دور هذه المدينة التاريخية ‘حيث ما يزال قائما على ذات الأسس التي شيد عليها في القرن السادس الهجري الثاني عشر الميلادي.
تلكم باختصار شديد هي مدينة تيشيت التي ذاع صيتها بفضل دور أبنائها و مكانتهم العلمية و الحضارية.