يصاب المتابع للأحداث الجارية في هذه البلاد بحالة من الدوار، بسبب تناقض مواقف البعض، وسعي البعض الآخر لاستغلال كل شاردة وواردة لتحقيق مكاسب أعياه الحصول عليها بالطرق الطبيعية، فامتطى التلفيق وسيلة للتكسب السياسي، سلاحه في معركته الخاسرة وسائل التواصل الاجتماعي، وبعض الصحف الورقية والألكترونية سيئة الصيت والسمعة.
قبل أيام ظهر "نشطاء" ماني شار غزوال، وهي طبعة غير منقحة من حركات: 25 فبراير، وكواس حامل شهادة، وصوت التلميذ، ومشعل، وغيرها من الأسماء الوهمية لمسميات لا وجود لها في الواقع..
في العالم الافتراضي يبلغ تعداد منتسبي حراك ماني شاري غزوال مئات إن لم نقل آلاف الأشخاص، بسبب توالد الحسابات الوهمية، أما على الأرض وفي الوقفات "الاحتجاجية" فلا يتجاوز العدد بضع عشرات من بينهم أعضاء تنفيذيون في أحزاب فاعلة في المعارضة، جاءوا لاستغلال الحدث رغم تفاهته..
والدليل أن شعار "الحملة" أخذ منحى سياسيا بعد نجاح "السياسيين" في توجيه دفة الحراك، وهذا ما حدا بالعشرات من مؤسسي الحراك الشبابي للانسحاب منه في أسبوعه الثاني، تماما كما حدث مع حركة 25 فبراير التي حشدت بضع مئات في نشاطها الأول قبل أن يقتصر الحضور في ثالث أسبوع لها على الأمناء التنفيذيين للشباب في أحزاب "المنسقية" أنذاك، كأنما جاءوا لتشييع الحركة إلى مثواها الأخير بعد أن قتلتها أطماع السياسيين في المهد.
مشهد آخر كان حاضرا في الساحة هذا الأسبوع حين ظهر رئيس التكتل أحمد ولد داداه بعد غياب طويل في مؤتمر صحفي للحديث عن ماسماه "الفساد الإداري والمالي والسياسي" مستغلا وسائل الإعلام للدعاية مجانا لمهرجان الأربعاء القادم، محاولا في نفس الوقت استعادة لحمة الحزب الذي تخلى عنه الحلفاء في "المنتدى" وهجره الأصدقاء والمنتسبون في أكبر انشطار يشهده منذ تأسيسه..
المفارقة أن ولد داداه وهو الرجل الاقتصادي تجاهل الأرقام المقدمة من صندوق النقد الدولي والشهادة التي أدلى بها ممثله قبل أيام قليلة عن صمود اقتصاد موريتانيا في وجه الأزمة المالية العالمية.
النقطة الأخيرة التي أود التعرض لها في هذه العجالة هي قضية مدرسة نسيبة1 التي تسعى أطراف جاهدة لتدويلها وتهويلها، إذكاء لنار الفتنة، مستفيدة من أجواء الحرية غير المسبوقة في البلاد..
وبلغ استغلال هذه القضية درجة تبنيها من قيادي في أحد الأحزاب السياسية وأحد الصحفيين البارزين وناشط حقوقي، باشروا عملية تضليل إعلامي ممنهجة ومنسقة شملت الفيس بوك، ووسائل الإعلام المحلية وحتى الدولية..
هي نفس الطريقة السيئة التي تم بها استغلال قضية فروع معهد ورش في الحوضين، حينما حاول هؤلاء تصوير النظام القائم وكأنه يحارب تعليم القرءان، متجاهلين أن الفروع المذكورة تم إغلاقها لمخالفتها المساطر التنظيمية، وتم افتتاح بعضها بعد تسوية وضعيته القانونية..
إن استغلال قضية نسيبة المفبركة من ألفها إلى الياء، ومن قبلها محاظر ومعاهد ورش، يكشف بوضوح سعي هؤلاء لتمزيق وحدة البلاد، وتهديد السلم الأهلي، وكان على الفاعلين في الأغلبية من مسؤولين وكتاب ومثقفين التصدي لهذه الإفتراءات وكشف الأباطيل التي يتمترس خلفها دعاة الفتنة والحروب الأهلية أيا كانوا. وإلا فإن الانتماء للأغلبية والتشبث ببرنامج رئيس الجمهورية يبقى بلا معنى في ظل تجاهل هذه الأصوات النشار التي تسعى جاهدة لنشر الفوضى وتمزيق وحدة الشعب الموريتاني..