الضابط والوزير الأسبق جبريل ولد عبدالله ( بيبي ) رجل الدولة والوطن والمجتمع ( نص تقرير )

أحد, 2023-12-31 17:43

تيتم وطن برحيل أحد اهم رجالات موريتانيا،  رجل شكلت مسارات حياته دروسا للأجيال وطنية وانتماء للارض والهوية ورسم البسمة على وجوه الناس .
في الخامس والعشرين دجمبر من العام 1943 رزق الإداري الفرنسي المسلم  عبد الله سامبير  في مدينة كيفه من فاطمة بنت دلمه ولد ولاته الجعفرية إحدى سيدات القوم الموريتانيات بولد سماه جبريل .

نشأ الطفل جبريل وسط أسرة عصامية تتشبث بدينها الإسلامي الصرف وتخدم مجتمعها بكل ما أوتيت من امكانيات .
عاش جبريل  عاش بداية مساره  التعليمي  الابتدائي متنقلا مع والده الذي كان يعمل  اداريا فرنسيا  في مراحل مختلفة في مدينة كيفه وانيور وغاو وتمبكتو وسيلبابي 
وسط هذه البيئة الشهمة عاش جبريل ولد عبد الله وتربى وسط بيوتات حي القديمة وثقافة جامبور الداعية للعمل والمساواة. والحرية والتآخي .

حظي جبريل ولد عبد الله  الملقب بيبي منذ تأتآته الأولى في حي القديمة بعلاقات صداقات في الطفولة  مع أبرز ابناء علية القوم في مدينة كيفه التي أحبها وأحبته بكل تفاصيلها وناسها وقادة الشأن فيها .

كان دور والدة جبريل في توطيد العلاقة بينه واخوته ميشل  وريني حاضرا بقوة في تفاصيل حياتهما فكانوا مثالا حيا على التأخي  والتميز وحسن السريرة واعتزازهم ببعضهم .

تزامنا مع  الاستقلال الوطني حين عين   محمد ولد الشيخ ولد أحمد محمود وزيرا للدفاع أصر على أن يكون والد جبريل هو من  يضع  اللبنة الأولى من النظام الأساسي للجيش  فكان ذلك بداية تعلق الابن جبريل بالجيش الوطني .
قرر  جبريل ولد عبد الله عام 1961 أن  يلتحق بمدرسة سمير للمدرعات في فرنسا فتخرج  منها ضابطا ومدرسا ومكونا في المركز الوحيد حينها للجيش الوطني بلكوارب او لكويربات كما كان يطلق عليها آنذاك و هنا بدأت حكاية أخرى تجاوزت دور الجندية والأوسمة .
شكل منزل جبريل ولد عبد الله في لكوارب   وجهة للعابرين والمرضى وذوي الحاجة من ربوع الوطن وخصوصا الجهة الشرقية  حتى صار مثالا لدى الناس إذ يقولون" انت اصل مانك لمسيد ؤلانك دار بيبي " .

من مدينة روصو حول الضابط والقائد جبريل إلى مدينة أطار وقضى فيها أجمل أيامه حيث صحب فيها رفاقا توطدتهم علاقتهم كلما تقادم الزمن من أبرزهم سيدينا ولد سيدينا وسيديا ولد يهي وإبراهيم ولد عالي انجاي والرئيسين الأسبقين  محمد خونه ولد هيداله ومعاوية ولد الطائع .
 جرت مياه كثيرة في قيادة التجمع العسكري للرحل رقم 1 وكان يتبع لحامية أطار وكان المسؤول عنها النقيب الفرنسي أدروكي فتم تعيين جبريل ولد عبد الله قائدا لها بعد شكاوى تقدم بها القائد الفرنسي للحامية حول هزاء الإبل فكان مجيء جبريل وقراره بالتوجه بها بقرار شخصي منه نحو أماطيل مفاجئيا للنقيب ادروكي فكان رد جبريل عليه حاسما وقاطعا وهو ماشكل ثقة فيه كقائد ميداني .
 نجح الضابط جبريل ولد عبد الله أن يحول هذا التجمع العسكري من حالة الركود إلى المساهمة الفعالة في إنقاذ واسعاف السكان في كافة ربوع الوطن .
عمل جبريل في بير ام أكرين تحت امرة الضابط محمد خونه ولد هيداله  وهو عام ضرب فيه الجفاف معظم مناطق البلاد فأعدت الكتيبة مخططا ضخما لمكافحة الجفاف واسعاف الناس قبل ان يتم تحويل جبريل  إلى المكتب الفني في قيادة الأركان فلم يزل هناك حتى تقرر إرساله في تدريب إلى فرنسا قبل ان يتم التراجع عن ذلك ويتم تكليفه من طرف الرئيس الراحل المختار ولد داداه لتنفيذ مخطط الإنقاذ  من الجفاف وهو مانجح فيه وبشهادة الجميع في تلك المرحلة .

تزامنا مع حرب الصحراء عين جبريل ولد عبد الله ملحقا عسكريا في فرنسا،  وهنا لعب ادوارا مهمة بدأ بشراء اجود الأسلحة لتزويد الجيش وليس انتهاء بلعب دور دبلوماسي وأمني كان له الدور الابرز عسكريا في انتصار موريتانيا بعد أن تكبدت  خسائر بشرية ولوجستية كبيرة ، وهي حرب بالمناسبة كان الراحل جبريل ولد  عبد الله يرى أنها خطأ  ماكان له أن يحصل لولا تدخل بعض الأيادي الأجنبية .

لم يكن القائد جبريل ولد عبد الله بمنأى عن انقلاب العاشر يوليو 1979 حيث كان حاضرا بقوة بعد ظهور ملامح فشل المخطط الأول للأنقلاب فكان لزاما عليه ان يضع مع رفيقه الضابط آتيي مخططا بعد زيارتهم للرئيس الراحل المصطفى محمد السالك  وسمو ذلك المخطط  بعملية " كاميكاز " وهو ما نجح بالكامل وأدى  إلى اجتماع اللجنة العسكرية وقادة المناطق بعد نجاحه المطلق .
 وبمأن جبريل ولد عبد الله كان مثقلا بهموم وطن آمن به منذ اول يوم قرر حينها أن يأخذ قسطا من الراحة في مدينة كيفه مسقط رأسه وهنا جرت مياه كثيرة  في نواكشوط خصوصا بعد ظهور اسمه ضمن  اللجنة العسكرية رغم انه كان المنفذ الفعلي للانقلاب قبل ان يتم تعيينه مباشرة بعد استدعاء الرئيس الراحل له المصطفى محمد السالك ليعينه  قائدا للمنطقة العسكرية السادسة . 

تمضي الأيام وتحدث متغيرات كثيرة   ويصل العقيد محمد خونه ولد هيداله للحكم عام 1980 فيتم تعيين جبريل ولد عبد الله واليا لنواكشوط .

كانت أزمة توقف طريق الأمل عن التشييد بسبب توقف التمويلات كفيلة بأن تعيد رجل الدولة جبريل ولد عبد الله للواجهة من جديد فيتم تعيينه وزيرا لوزارة التجهيز فكان فنجح في  اكمال طريق الأمل وبناء اول مقطع طرقي بأيادي وطنية .
 كما نجح في انشاء مختبر وطني للأشغال العمومية ، كما انجز في عهده سد فم لكليته وطريق الاك بوكي .
من وزارة التجهيز عين جبريل ولد عبد الله وزيرا للداخلية وكان ضمن بصماته الكبيرة فيها أن كان سببا في اصدار حكم عبر مجلس الوزراء  يقضي لأول مرة بمحاربة العبودية العقارية .

1984 بعد وصول العقيد معاوية ولد سيد احمد الطائع عين القائد جبريل ولد عبد الله وزيرا للدخلية واللامركزية  والبريد والمواصلات فكرس اهتمامهاته لتجسيد اللامركزية وكان مدافعا عنها كتحدي يعيق التنمية  قبل ان يتم تعيينه  قائدا  للأركان اتصف بكل مقومات وخصائص العسكري الشجاع والوطني الذي ظل وفيا لمبادئه وقيمه ، 
تجري أحداث اخرى كثيرة في دهاليس حكم ولد الطايع  فيعود جبريل ولد عبد الله مجددا وزيرا  للتجهيز ليواصل مشوار البناء والتشييد الذي وضع أسسه في مراحلة سابقة  .

عام 1990 تولى جبريل ولد عبد الله حقيبة  وزارة الداخلية واللامركزية والبريد والمواصلات  في فترة  من ابرز فترات البلد حساسية حيث كانت موريتانيا وجهة للمستثمرين والشركاء وسط توترات اقليمية ودولية كانت البلاد حينها تحتاج رجلا ثابتا بحجمه فكان جبريل وسط هذه التحولات هو نفسه كما بدأ مشواره منذ تسعة وعشرين عاما حين قرر أن يخدم بلده . رجل دولة ومبادئ يرفض التنازل عن مصالح الوطن او الخوض في ما لايخدم موريتانبا التي ضحى بحياته من اجلها ضابطا مرموقا واداريا محنكا ووزيرا خدوما حتى آخر يوم له في خدمة الجمهورية .

حين انزوى جبريل ولد عبد الله  بنفسه عن مراكز صناع القرار وقضايا الشأن العام ظلت محبة الناس والرفاق وصناع الرأي تلاحقه حينما حل وارتحل فكان قائدا محبوبا ورجلا توافقيا وصاحب سيرة ملهمة لكثيرين ، ورغم هذه المكانة الكبيرة في نفوس الموريتانيين وما يمتلكه جبريل ولد عبد الله من أسرار  مهمة كان صانعها او جزءا منها او حاضرا لها على مدى عقود من عمر الدولة الموريتانية إلا أنه ظل يعتبر نفسه  رجل دولة لايبوح بأسرارها في حالة فريدة ونادرة من الزهد والبساطة والتواضع .
ونظرا لحبه لموريتانيا التي عشقها منذ أيامه الأولى في الحياة رفض الراحل جبريل ولد عبد الله كل عروض اللجوء التي قدمت له من طرف جهات مختلفة كان من ابرزها  الملك  الحسن الثاني والرئيس الفرنسي  فرانسوا ميتران  ، كما ظل يرفض بكل صرامة  استخراج جنسيته الفرنسية التي له الحق فيها بالوراثة حيث كان ينهي كل طلب لها كان ممازحا أو جادا من محيطه العائلي بقولته الشهيرة  " الي منكم يبغي يتفرنس بينو امعاه بيبي بعد ماهو عايد فرنسي اكافيتو موريتاني"  في إشارة إلى نفسه .
رحم الله جبريل ولد عبد الله فقد كان بطلا شجاعا وطنيا ،صادقا ، مخلصا ومتثبثا بكل قيم الوفاء والتضحية لهذا الوطن .

إعداد : الصحفي ، الشيخ المهدي النجاشي .