قليلون هم قادة الدول اللذين يحملون هموم شعوب منطقتهم القريبة، ومصالح أمتهم، مهما باعدتها الجغرافيا عن أوطانهم.. ويتطلعون لعالم ملؤه المحبة والسلام.
لكن، عندما يتعلق الأمر بتلك القلة فستجد رئيس الجمهورية، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، قد حجز لنفسه مكانا في صدارة تلك القائمة، وسطر اسمه بحروف من ذهب في سجلات التاريخ.
لقد مثل خطاب ولد الشيخ الغزواني، الذي ألقاه أمس خلال الدورة الـ 78 للجمعية العامة للأمم المتحدة، مرجعية للباحثين عن التشخيص الدقيق للتحديات التي تعانيها منطقة الساحل، ودولة السودان، والشعب الفلسطيني، وشرق أوروبا.. وللمتطلعين للحلول التي تعيد الأمور إلى نصابها، وللمتعطشين لمعرفة الأدوار المحورية التي لعبتها وتلعبها موريتانيا في سبيل إرساء الأمن في منطقتها خصوصا، وتصورها لحل النزاعات عبر العالم عموما.
ففي خطابه القيم، قال رئيس الجمهورية إن موريتانيا تبنت استراتيجية أمنية متكاملة ساهمت في العمل على استعادة الأمن والاستقرار في شبه المنطقة عبر مجموعة دول الساحل الخمس، التي تتولى اليوم رئاستها الدورية، كما شاركت في قوات حفظ السلام الأممية في جمهورية إفريقيا الوسطى، إضافة إلى "احتضانها لأكثر من 100 ألف من أشقائنا الماليين اللاجئين بفعل الاضطرابات الأمنية".
ونبه إلى أن بلاده ساهمت، بشكل فعال، في العمل على تحقيق السلام، والأمن إقليميا ودوليا، عبر اعتماد سياسة خارجية قائمة على أساس حسن الجوار، والاحترام المتبادل، والتعاون البناء، وتغليب الحوار والتفاوض، والالتزام بالمواثيق، والمعاهدات الدولية، والوقوف إلى جانب القضايا العادلة.
وعلى المستوى العربي، جدد ولد الشيخ الغزواني مطلبه القديم، المتمثل في حق الشعب الفلسطيني، في إقامة دولة مستقلة، عاصمتها القدس الشرقية، وفقا لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، ومبادرة السلام العربية، مؤكدا تمسك موريتانيا بالحلول التي تحفظ الوحدة الترابية، وترسي دعائم الاستقرار، والأمن، في كل من ليبيا، واليمن، وسوريا.
وفي جمهورية السودان الشقيقة، دعا رئيس الجمهورية إلى بذل كل الجهود الممكنة، لوقف الأعمال القتالية بشكل دائم، وفعال، والتأسيس لحل سياسي شامل في هذا البلد، الذي وصفه بالشقيق.
كما أكد وقوف موريتانيا إلى جانب الحكومة الصومالية، في سعيها إلى تحقيق الأمن والاستقرار.
وعالميا دعا ولد الشيخ الغزواني إلى تغليب لغة الحوار لوضع حد للحرب الدائرة في أوكرانيا، باعتبار الحل الوحيد الذي يضمن مصالح كافة الأطراف، ويبعد شبح اتساع رقعة الحرب، ويعيد للعالم أمنه المهدد في مجالي الغذاء والطاقة.
ولم يفت رئيس الجمهورية التنبيه إلى خطورة ما يجتاح العالم اليوم من أزمات حادة ومتنوعة، تؤكد، بفعل تداخلها، وتغذية بعضها لبعض، وشمول آثارها السلبية للجميع، وإن بنسب متفاوتة، موضحا حاجة الجميع الملحة إلى الإسراع في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة، طبقا لما التزم به المجتمع الدولي في إطار أجندة 2030.
وأضاف بصراحته المعهودة: "لا شك أن تقدمنا في تنفيذ هذه الأهداف، لا يزال، من حيث السرعة والشمول، دون القدر الذي نأمله جميعا، ويتطلبه عمق وتنوع التحديات الراهنة. ويمكن القول، إجمالا، إن هذا التقدم، يظل في الغالب، خاصة في الدول النامية، مترددا بين البطء، والتعثر، والتراخي".
وداخليا أكد ولد الشيخ الغزواني أن موريتانيا جعلت من تحقيق أهداف التنمية المستدامة، موجها عاما لجهدها التنموي، كما هو جلي في استراتيجيتها للنمو المتسارع والرفاه المشترك، التي تشكل الإطار المرجعي، لعملها الإنمائي العمومي.
وأوضح أن بلاده تمكنت، بفضل ما بذلته الحكومة من جهود كبيرة، على الرغم من ظرف دولي وإقليمي غير موات، من تحسين مؤشرات العديد من أهداف التنمية المستدامة في موريتانيا.. وقال "كافحنا الفقر والهشاشة والإقصاء، من خلال بناء شبكة أمان اجتماعي واسعة، تعزز صمود مواطنينا الأكثر هشاشة، وتدعم قدرتهم الشرائية، بصيغ متنوعة، وتوسع الضمان الصحي الاجتماعي على نحو يؤدي، تدريجيا، إلى ضمان صحي شامل، كما أجرينا إصلاحات هيكلية، تساعد على بناء اقتصاد متنوع، أقوى صمودا، وأقدر على خلق فرص العمل وإنتاج القيمة المضافة، وعززنا الحكامة في المجال الاقتصادي، والمالي، والنقدي. مع الحرص على ترقية قطاعاتنا الإنتاجية، من زراعة، وصيد، وتنمية حيوانية، سعيا إلى تعزيز أمننا الغذائي، وتحقيق الاكتفاء الذاتي".
وأوضح أن موريتانيا منحت عناية كبيرة للاستثمار في رأس المال البشري: فتم رسم وتنفيذ، برامج عديدة، لتكوين الشباب وتأهيله، وتمكينه من ولوج سوق العمل، وحمايته من الغلو والتطرف، بالإضافة إلى برامج أخرى، خاصة بتمكين المرأة، وإشراكها بقوة في الحياة السياسية، وتسيير الشأن العام، متعهدا باستكمال العمل على تنفيذ إصلاحات واعدة، لمنظومة بلاده التربوية، التي تهدف إلى بناء مدرسة جمهورية، تتيح لكافة أبناء الشعب الاستفادة من تعليم ذي جودة عالية، في ظروف حسنة، متماثلة، وأضاف: "هذا علاوة على جهودنا في إرساء دعائم دولة القانون، والحكامة الرشيدة، وتوطيد اللحمة الاجتماعية، وترسيخ الحريات الفردية والجماعية".
وفي المجال السياسي، أكد ولد الشيخ الغزواني أن نظامه اتخذ من الحوار، والانفتاح على الجميع، نهجا ثابتا في تدبير الشأن العام، مشيرا إلى ما تحقق من إصلاحات عميقة للمنظومة القضائية، ترسيخا لاستقلالية السلطات وتكريسا للفصل بينها، وإلى تطوير الآليات الكفيلة بمحاربة الفساد، في مختلف جوانبه، منبها إلى أن كل هذه الإصلاحات زادت من قوة دولة القانون، ومن حيوية النظام الديمقراطي، وشفافيته.
وأضاف: "ما كنا لنحقق هذه النتائج، لولا أن وفقنا في توفير الأمن والاستقرار، على عموم التراب الوطني، على الرغم من المحيط الإقليمي والدولي الشديد الاضطراب".
لقد أظهر رئيس الجمهورية، في خطابه الموجه لقادة العالم، مدى ما يتمتع به من وعي في تشخيص المشاكل التي يعانيها عالم اليوم، وما حباه الله به من توفيق في تَصَوُّر الحلول الناجعة التي تؤكد على ضرورة احترام مبادئ العدالة والحرية والحوار والتكافل بين الشعوب والأمم.
وكالة الوئام الوطني للأنباء