ومن الحب ما قتل / بقلم : الحسن ولد محمد الشيخ ولد خيمت النص

أحد, 2023-08-13 21:15

 

 علوت في إحدى الليالي المقمرة كثيبا عظيما ..كان لايفتأ  يتضخم بفعل التصحر، مثلما تتضخم مديونيتنا -تماما- لسوء تدبير أولياء الأمر فينا .. المتشابهين حد التطابق في الأقوال والأفعال.

لم أكن أرى غير باسقات نخل تصارع من أجل البقاء، وقد غيبها الحرمان مثلي، ولا أسمع إلا هديل يمامة وحيدة ربما جاءت تلتمس الهدوء والنجاة مثلي.

هناك، جلست أسترجع ذكريات من الزمن الغابر، والضارب في أعماق التاريخ، لعلني أنتشل من مخيلة النسيان ذكرى جمعتني بحكيم مرّ من هنا أيام قوافل الملح.

في لحظات التأمل تلك، كنت أعبث بالحصى المخملي ذي الملمس الحريري الناعم، والنظيف نظافة أيادي البسطاء من أموال الشعب .. كنت أرسم خريطة وطن طالما فتّشتُ فيه عن وجودي الذي بات مهددا، و عن نصيبي الذي مازال مبددا؛ فلا أرى إلا قصرا منيفا كالغصة، وقد  شيدوه على شاطئ الأطلسي .. لا يأبه ساكنوه لأنات المرضى ولا لحاجات تقضى ولا لاستغاثة ملهوف.

 تمنيت يوما زواله ومرة خرابه، وقلت في نفسي لو كان كذلك ما عدمت مسمارا أو مصباحا.

 وتذكرت أن من اليأس قد تتحقق الأمنيات كما "من الظلم تولد الحريات".

 وجدتني أخجل من نفسي حين عيرني بنو الأصفر بضيق الأفق في التنمية، وضعف الترتيب في التعليم، وعمى الألوان في الصحة.

 فأحسست أنني لست أقوى إلا على الكلام وأنني -فعلا- ذكرى إنسان .. لا أعرف الحق ولا الواجب .. أحن إلى الأمس وأخاف من الصبح ولا أفهم سر حبي لاجترار النصوص ولا أسباب التقهقر والنكوص ولا -حتى- كم يجبى عليّ من المكوس..!

 وغرقت في التفكير واحتسيت كاسات شاي مترعة، وكأن البدر ينظر إليّ و إلى خريطتي من خلال الفجاج .. من خلف سحب شاردة شرود الأمن والأمان .. ينظر إليّ نظرة استعلاء واستهزاء ..!

 حينها انتفضت و أعلنت انتسابي للأرض، والدفاع باندفاع عن الكرامة والعرض، وأني سأمزق كل شهادة دولية لطخت سمعتي.

 ولمّا هممت بالعودة إلى ضوضاء المدينة، وخسيس خطاب الساسة، سمعت "ديلول" ينادي في الذاكرة من بعيد: 
- بلغ تحياتي للأحفاد، وأخبرهم أنني كنت أنشد العدل وأقري الضيف وأحب النوق وأكره الغدر وأحفظ العهد .. ولكنني كنت أخاف من بأس الحديد وأعاف الأسماك وأتطير من الذهب.

 ففهمت حينئذ حرص حكوماتنا على حب أحفاد ديلول و-طبعا- من الحب ما قتل.