ربما لا تسمع اسم فنلندا كثيرا في ساحات السياسة وأزمات المنطقة في الشرق الأوسط، ولكن تلك الدولة الإسكندنافية الصغيرة ركزت اهتماماتها بشكل أساسي على تطوير نظامها التعليمي، حتى أضحت أقوى دولة في التعليم عالميا لعام 2015 وفقا لتقرير التنافسية العالمية. وفي هذا التقرير نسلط الضوء على 7 من أهم الأسباب التي جعلت فنلندا تتربع على صدارة دول العالم في مجال التعليم مشيرين إلى أهم ما يميز نظام التعليم في فنلندا:
(1)احترام التعليم جزء من الهوية
“هذا يحتاج 150 سنة من ترسيخ احترام التعليم ومهنة التدريس”
هكذا أجاب وزير التعليم السابق في فنلندا بار ستانباك، عندما طلب منه أحد المٌذيعين إجابة في جملة واحدة، تُلخص سر التميز الفنلندي في مجال التعليم تنصح بيها السلطات في بورتوريكو، فالفخر والاحترام للتعليم والتعلم في فنلندا يعدان من الجوانب الأساسية للثقافة الفنلندية، فقد بنت فنلندا هويتها القومية منذ القرن ال19 من خلال الاستثمار في التعليم للجميع، وعندما حققت استقلالها كان الهدف الأساسي هو تطوير التعليم بشكل أكبر.
(2) من الصعب أن يُصبح أحد مدرسا
يتم اختيار المدرسين بعناية شديدة، فلا بد أن يكونوا ذوي كفاءة عالية وحماس شديد وشغف ملحوظ بالمهنة وبالرغبة في مساعدة الآخر، فلا يكفي أن يكون المدرس حاصلا على شهادة البكالريوس أو الليسانس حتى يتمكن من شغل وظيفة “مدرس”، ولكنه لا بد وأن يكون حاصلا على درجة الماجيستير، ويتم قبول 11% فقط من المتقدمين لشغل وظيفة المعلم، وهذا يضمن أن المتقدمين الموهوبين والأكثر حماسة هم من يستحقون شغل تلك الوظيفة.
(3)ساعات عمل أقل وراحة أكثر
أحد أهم مميزات التعليم في فنلندا أنه يُركز بشكل أساسي على العمق في المضمون المدروس، بدلا من زيادة المضمون والتعامل معه بسطحية، والمعلمون يعملون في الفصول لمدة 4 ساعات يوميا و20 ساعة أسبوعيا، نصف هذه الساعات يقوم فيها المدرس بإعداد المناهج الدراسية وتقييم الطلاب، ومع تقلص ساعات الدراسة تزداد فترات الراحة نسبيا لتصل 75 دقيقة موزعة على اليوم الدراسي.
(4)لا فصل بين الطلاب على أساس مستواهم التعليمي
“لا تترك الطفل بالخلف”
كان هذا الشعار معتمدا في المدارس الفنلندية قبل فترة طويلة، قبل أن يُصبح شهيرا في الولايات المتحدة، ويعتمد ذلك الشعار الذي تحول إلى واقع في فنلندا على تصعيد المستوى التعليمي للأطفال المتأخرين دراسيا-وعدم عزل الطلاب وفقا لمستواهم التعليمي- حتى يصلوا إلى المستوى التعليمي المتوسط والسائد بين زملائهم، من خلال مساعدة المعلمين لهم وإعطائهم اهتماما أكبر بكل صبر كي يتلقى هؤلاء الأطفال الدعم اللازم لتخطي الصعوبات واللحاق بزملائهم، وهناك %30 من الطلاب الفنلنديين يتلقون مساعدة إضافية خلال أول 9سنوات في التعليم الأساسي، وكل هذه العوامل جعلت فنلندا تمتلك أصغر فجوة بين الطلاب الأقوى والأضعف في مستوياتهم التعليمية على مستوى العالم وفقا لدراسة أجرتها مؤسسة التعاون الاقتصادي والتنمية.
(5) شدة الارتباط بين المعلم والطالب
أحد مميزات نظام التعليم في فنلندا هو أن المدرسين يمكثون مع الطلاب فترة طويلة، لا تقتصر على العام الواحد وإنما تصل إلى 5 سنوات دراسية، وهذا يؤدي إلى توطيد العلاقة بين المعلمين والطلاب –الذين يبلغ عددهم 20 طالبا فقط في الفصل الواحد- وكسر جبل الجليد والتقرب منهم على المستوى الشخصي، ويدرك المعلم بشكل أكبر المستويات المختلفة لطلابه للتعامل مع كل طالب بالأسلوب الذي يناسبه.
(6) المساواة بين الطلاب
“المساواة هي الكلمة الأكثر أهمية في التعليم الفنلندي. تتفق جميع الأحزاب السياسية من اليمين واليسار على ذلك”
هكذا يؤكد أولي لوكنين رئيس الاتحاد الفنلندي للمعلمين، وهذا التصريح لا يأتي من فراغ، وإنما مبني على أسس من تكافؤ الفرص والعدالة والمساواة مترسخة في نظام التعليم في فنلندا تجعل ممن الطلاب الفنلنديين سواء كانوا في مناطق ريفية أو حضارية، فقيرة كانت أو غنية على جودة تعليم متساوية، ذلك النظام الذي يمنع المدارس في فنلندا من أن تتحول إلى بزنس وأعمال تجارية، كما أنها تبتعد أيضا عن الأدلجة السياسية أو الطبقية، لأن كل المدارس في فنلندا تُمول شعبيا، ويتم توزيع المال بالتساوي على المدارس إلى حد كبير، كما أنه لا يوجد تصنيفات وترتيبات ومنافسة بين المدارس، فجميعها تعمل وفقا لأهداف قومية واحدة.
(7) ارتفاع نسبة المقبلين على الجامعة
ترتفع نسبة الفنلنديين المتخرجين في المدارس العليا بفنلندا لتصل إلى 93% وهي نسبة مرتفعة بشكل كبير، جعلت فنلندا تتخطى الولايات المتحدة الأمريكية في هذا الصدد ب17.5%، ومما يدعم قوة تعليم فنلند أن 66% من هؤلاء الخريجين يقبلون على الدخول إلى أحد كليات الجامعة، بالرغم من عدم وجود ما يُلزم مَن تخرج من المدرسة بالدخول إلى الجامعة، وتلك النسبة هي الأكبر في أوروبا، بالرغم من أن فنلندا تنفق على الطلاب المقبلين على الجامعة بنسبة 30% أقل مما تنفقه أمريكا.