مشكلة التعليم في موريتانيا: التشخيص والحلول / أ.سيدي محمد الطلبه

سبت, 2018-12-01 11:47

رسالة إلى رئيس الجمهورية:
سيدي الرئيس: إنما تطلع السلم من أسفلها ، وشرط النهايات تصحيح البدايات ، والتدرج سنة كونية وخطوة في الطريق الصحيح خير من خطوات كثيرة في الطريق الآخر ، والقوانين المجردة والمراسيم العزل لا تبنى الدول ، ونية الإصلاح لا تغني عن العمل ، من يريد أن يصلح التعليم عليه أن ينزل من البرج العاجي ، ويباشر ميدان العمل ، فالمنظومة التربوية ما تزال بحمد لله قائمة ، والضمير الوطني ما يزال حاضرا ، والكفاءات التربوية متوفرة ، فقد ظل نظامنا التربوي وإلى اليوم ، يمدنا بكفاءات عالية شكلت العمود الفقري للدولة الوطنية ، غير أنه ومنذ العقود الأخيرة بدأ عطاؤه يتراجع ، وأخذت ثقته تهتز ، ومخرجاته تضعف حتى وصل إلى هوة بعيدة ومكان سحيق.

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى آله وصحابته أجمعين ، السيد الرئيس: السلام عليكم و رحمة الله تعالى وبركاته.

يطيب لي في بداية هذا العرض العملي والميداني أن أطلعكم على حالة وواقع التعليم النظامي اليوم في موريتانيا من وجهة نظر ميدانية ومعتدلة لا تؤمن بإقحام القضايا الوطنية الكبرى في دائرة التجاذب السياسي ، وإنما تأمل في لفتة عملية وصارمة من رجل يحمل آمال أمة وأحلامها وتطلعاتها نحو غد أفضل ، ولا طريق إلى تحقيق ذلك قبل النهوض بالتعليم ، فلم تحقق أي أمة تقدما حضاريا ولا علميا إلا بالعلم والتعلم ، وهذا ما يبدو أنكم تؤمنون به بدليل إحساسكم بمشكلة التعليم في وقت مبكر من حكمكم لهذا البلد ، فكم من مرة أعلنتم عن فساد التعليم وخراب المنظومة التربوية ، وكم من مرة طلع علينا أحد أعوانكم ممن لبسوا ثوب المسؤولية الحكومية أو ممن صدروا عن ثقة الناخبين ، وكم من مرة طلع علينا أحد الميدانيين أو المهتمين بالشأن الوطني ، وهم جميعا يصرخون: التعليم فاسد ، المنظومة التربوية سقطت في هاوية التردي ، المخرجات رديئة ، الكتب هزيلة ، الطريقة التربوية فاشلة ، الوسائل منعدمة ، النقابات مضربة أو مصفقة ... وكلما عين وزير جديد أو فصلت الوزارة أو جمعت ، أو سميت ثانويات باسم الامتياز ، أو قدمت مراسيم تنشئ مدارس للهندسة أو للمعادن أو للزراعة أو للأشغال العامة ، أو نظمت أيام تشاورية جهوية أو مركزية ، ظن الجميع أن مشكلة التعليم قد حلت ، وأن الإصلاح في طريقه إلى المنظومة التربوية ، لكن هيهات!

سيدي الرئيس: إنما تطلع السلم من أسفلها ، وشرط النهايات تصحيح البدايات ، والتدرج سنة كونية وخطوة في الطريق الصحيح خير من خطوات كثيرة في الطريق الآخر ، والقوانين المجردة والمراسيم العزل لا تبنى الدول ، ونية الإصلاح لا تغني عن العمل ، من يريد أن يصلح التعليم عليه أن ينزل من البرج العاجي ، ويباشر ميدان العمل ، فالمنظومة التربوية ما تزال بحمد لله قائمة ، والضمير الوطني ما يزال حاضرا ، والكفاءات التربوية متوفرة ، فقد ظل نظامنا التربوي وإلى اليوم ، يمدنا بكفاءات عالية شكلت العمود الفقري للدولة الوطنية ، غير أنه ومنذ العقود الأخيرة بدأ عطاؤه يتراجع ، وأخذت ثقته تهتز ، ومخرجاته تضعف حتى وصل إلى هوة بعيدة ومكان سحيق.

والذي يهمنا هنا ليس أسباب هذه الوضعية وعللها بقدرما يهمنا إيجاد حلول ميدانية وواقعية ، وليست قرارات ومراسيم تبقى معلقة في الجدران التي اتخذت بداخلها ، فلا أحد يرضى عن التخلص النهائي من المنظومة وإحلال أخرى من المريخ محلها ، ولا أحد يرضى عن الاستمرار في الوضع القائم حاليا.

لذلك رأيت أن عملية إصلاح التعليم اليوم شبيهة بسيارة متهالكة أكد الخبراء أن السليم منها هو هيكلها فقط ، وربها يملك جميع أنواع قطع الغيار التي هي بحاجة إليها ، وتحدوه الإرادة في إصلاحها ، فهو يبحث عن خبير ذي كفاءة مهنية عالية ينتقى له أولا القطع الجيدة والمناسبة ، ويشرف له ثانيا على تركيب تلك القطع ، ويختار له ثالثا من يحسن تشغيل السيارة كي تحصل الفائدة المرجوة منها ، وتفسير ذلك أن هيكل المنظومة التربوية قائم على امتداد الخريطة المدرسية الوطنية وإرادة الإصلاح ملحة لدى المجتمع مجسدة في الجهاز التنفيذي للدولة ، والخبير ذو الكفاءة والمهنية هو الجهاز التربوي وقطع الغيار هو هيئة التدريس ، ومن يركب القطع هو الإدارة المدرسية ، ومن يشغل الجميع هو وزارة التهذيب الوطني.

ولتسليط الضوء على هذه العناصر التي هي العمود الفقري للمنظومة التربوية والتي منها تسرب الاختلال إلى العملية بأسرها بفعل عوامل كثيرة خارجية وداخلية ، رأيت أن أفكك العناصر التي يقوم عليها البناء التربوي وأن أتناول كلا منها على حدة حتى تكون الصورة واضحة.

وقبل أن أدخل في تحليل رؤيتي تلك ، بدالي أن إصلاح التعليم لابد أن يمر بهذه المراحل علما أنني انطلق من اعتبار أن إرادة الإصلاح الحقيقي موجودة لدى الجهاز التنفيذي للدولة باعتباره نائبا عن المجتمع ومسؤولا عن تحقيق إرادته والوسائل التي سيحقق بها الإصلاح متوفرة لدى الجهة التي ستقوم بتنفيذه ، وبناء على ذلك رأيت أن مسيرة الإصلاح الكبرى ستنطلق من الأبعاد التالية:
أولا: الجهاز التربوي:

وأقصد به هنا هيئتا التأطير والتدريس

أ‌) هيئة التأطير:

وهي الهيئة التي تتولى التكوين والإرشاد والتوجيه والتقييم وذلك عن طريق تفعيل دور مفتشية التهذيب الوطني وتحسين أداء مدارس التكوين المهني ، وانتهاج سياسة التكوين المستمر ، وسأكتفى في هذه المرحلة بالوقوف عند دور التفتيش التربوي باعتباره المسؤول عن تحسين عملية الأداء التربوي من خلال تأطير المدرسين وإرشادهم وتقييمهم ، ومن خلال إعداد المنهج التربوي وإخراج الكتاب المدرسي واختيار المقاربة المثلى لتقديم الدرس النموذجي ، وهذه مهمات من صلب العملية التربوية فإرشاد المدرسين وتأطيرهم وتقييهم يمدنا بتقارير ميدانية وموضوعية تشكل قاعدة بيانات لا غنى عنها حين نريد تحديد نوعية الحاجة في التكوين ، ولا غنى عنها حين نريد معرفة مستويات المدرسين وقدراتهم ، هذا زيادة على دور مفتشية التهذيب الوطني في إعداد المنهج التربوي اعتمادا على البعد الحضاري للأمة والحاجة الضرورية لمتطلبات العصر ، على أن يجسد هذا المنهج في الكتاب المدرسي الذي يتطلب إعداده أكثر من جهد مفتش ومستشار في المعهد ، وأستاذ ميداني ، الله وحده يعلم المعايير التي عليها تم اختيارهم ، فماضي الأمة وحاضرها ومستقبلها لا يمكن أن يستوعبه أشخاص محدودوا الثقافة والاطلاع ، أمثلهم طريقة من كان يسمى بجرة قلم من وزير لا ضابط لدوافعها ، فلا أقل عند إعداد الكتاب المدرسي من ثلاث لجان أولاهما فنية لإعداد المادة واختيارها وثانيتهما تربوية لتكييف المادة مع المقاربة المعتمدة ، وثالثتهما أكاديمية لتزكية مضمون الكتاب المدرسي ، حتى نضمن انسجامه مع روح الأمة ومتطلباتها العلمية والحضارية ، ولا يخفى هنا دور المقاربة التربوية في تحضير المعلومة وأسلوب تقديمها ، فقد اعتبر جل المهتمين بالحقل التربوي أن جزء كبيرا من تردى العملية التربوية يعود إلى مشكلة مقاربة الكفايات التي تتطلب جملة من المعايير نادرا ما تتوفر في الحجرات الدراسية الموريتانية ، بل ولا في المدرسين وأعداد التلاميذ ومستوياتهم ، وهو ما يستوجب الرجوع عنها واعتماد مقاربة الأهداف التي عليها تكون الكثير من المدرسين والفاعلين التربويين الموريتانيين على أن تشفع ببعض محاسن مقاربة الكفايات كالتركيز على تنمية المهارات وتطبيق المكتسبات .

ب‌) هيئة التدريس:

وتعني المدرسين الميدانيين الذين يمارسون التدريس داخل الفصول ، وهؤلاء هم روح العملية التربوية وقطب رحاها ، والقلب النابض الذي يحرك العملية بأسرها ، ولا أمل في الإصلاح قبل وضع حد نهائي للمشاكل التي يئنون تحت وطأتها ، ولا سبيل إلى ذلك قبل أن نعمل على أن يتحلى المدرس بالقيم الأربع التالية:

القيمة الأخلاقية: وتعني أن يتحلى المدرس بمستوى من الأخلاق الرفيعة ، فهو رسول إلى الناس يعلمهم ويوجههم ويرشدهم ، ولذلك يجب أن نقرأ رسالته في أخلاقه وسلوكه وعمله قبل أن نقرأها في علمه ، فهو قدوة ومثاله يحتذى ، ولذلك يجب أن يكون قوله منسجما مع سلوكه ، فإذا أمر تلامذته بالصدق يجب أن يكون هو صادقا ، وإذا أمرهم بالاجتهاد يجب أن يكون هو مجتهدا ، فقد سبب الانفصام بين قول المدرس وعمله كثيرا من المزالق في الحياة المهنية للمدرسين.
القيمة العلمية: وتعني أن يتمتع المدرس بمستوى علمي يمكنه من تأدية رسالته النبيلة على أحسن وجه خاصة أنها مسألة لم تعد تطرح اليوم تحديا كبيرا في هذا العالم الذي أصبحت المعلومات فيه متوفرة بفعل التقنيات والعولمة خاصة أن المدرس إنسان بلغ درجة من التعلم تؤهله للاستمرار في تطوير معارفه كلما كان ذلك ضروريا ، فما عليه إلا أن يبحث عن المعلومة الصحيحة ويحققها ويطورها ، والعلم يزداد بالعطاء ، فكلما علم المدرس ازداد علما وتمكنا ، وهو ما يؤدى به إلى حب مادته والنجاح في مهنته .
القيمة المعنوية: وتعني أن يشعر المدرس أنه ذو قيمة كبرى لدى المجتمع ولدى الدولة باعتبار أن المجتمع أوكل إليه بناء عقول أجياله والدولة أسندت إليه إعداد طواقمها ، وعندئذ سيدرك حجم المسؤولية الموكلة إليه ، مما سيحدو به إلى طرق جميع الأبواب التي تضمن نجاح مهمته ، ولا سبيل إلى ذلك قبل أن يمنح بطاقة مهنية توجب على الجميع احترامه ، وأن يعطى امتيازات معنوية كالتكفل بعلاجه مجانا ، وكتقديمه في الطابور زيادة على نصيبه من الخدمات المجانية للدولة كالمساعدات الاجتماعية في مناسبات الزواج والعقيقة ، والتكفل بالجانب المالي من الشعائر الدينية كالحج والأضاحي مثلا .
القيمة المادية: وتعني وضع المدرس في ظروف مادية تمكنه مع اسرته من العيش الكريم في ظروف اقتصادية ونفسية توفر السكينة والاستقرار بعيدا عن التعلق بمهن أخرى بغية كسب لقمة العيش وتوفير متطلبات الأسرة ، وهو ما يمكن المدرس من التفرغ جسميا وعقليا لخدمة مهنته النبيلة ، ومن نظر إلى الدول التي تقدم فيها التعليم كاليابان وماليزيا مثلا وجد أن راتب المدرس يفوق راتب الوزير ، فكيف نطلب نحن من إنسان لا يتقاضى نصف عشر راتب الوزير عندنا ، ولا ربع عشر راتب الوزير الأول ولا ثمن راتب القاضي ، ولا ثلث راتب كاتب الضبط ، وهم جميعا من صنع وإعداد المدرس ، كيف نطلب منه أن يكون منتجا ومثابرا وملتزما في عالم تتزايد مصاعب حياته اليومية كل ثانية ، لذلك اعتبر كثير من المهتمين بالحقل التربوي أن مشكلة التعليم سببها الأساسي إهمال الدولة لرواتب طواقمه ، مما كرس ظاهرة الكسل والاختفاء واللامبالاة لدى موظفي هذا القطاع.

ثانيا: المصادر البشرية:

ونقصد بها هنا الإدارة المسؤولة عن التوزيع والترقية ، أو الأمانة العامة التي عودتنا على توقيع مذكرات هذا الشأن ، فمن المعلوم أنه من المشاكل البنيوية التي ظلت عصية على الإصلاح مشكلتا التوزيع والترقية.

أ‌) التوزيع: وهو عملية تحويل المدرسين التي ظلت محل جدل كبير بين المستحقين وغير المستحقين حتى باتت وكرا لكثير من عمليات الفساد والرشوة والمحاباة ، لا في السر وإنما في العلانية ، تعرف ذلك من إعلانات التفاهم التي تنتشر على جدران الوزارة كالطلاء ، ومن انتشار ثقافة السمسرة بين جل مرتادي المرفق والراغبين في الاستفادة من خدماته ، حتى شاعت المبالغ وعرف ثمن كل منطقة ومبلغ كل صفقة وضمان ورهن كل اتفاقية ، حتى إذا نفدت بضاعة هذا السوق ونفد ما في جيوب مدرسي الأدغال ، بدأ موسم الوساطة ونشط معسكر الولاء والنخاسة ، فشمر كل نافذ ، ونشط كل فاعل وتدخل كل مقرب ، وهناك دارت الدائرة على المعايير ، فأعلن عن ميلاد مذكرة التحويل من سفاح السماسرة والوجهاء والساسة القذرين ، وعند ذلك يبدأ البكاء والعويل وتظهر نتائج الدراهم والدنانير ، وتبدو ملامح النفوذ وتتضح قوة التدابير ، فالمذكرة خالية تماما من الموضوعية والمعايير.

تلك حقائق يعرفها الجميع ، فمن يريد التحويل لابد أن يبذل جاها أو مالا أو يتولى أمره عسكري شهير ، أما الالتزام والأقدمية والجد والمثابرة ، فيعلم علام الغيوب أن صاحبها أضيع عند مسؤولي وزارة التعليم من الأيتام على مأدبة اللئيم ، وما دامت المعايير فوضى والروح الوطنية مغيبة ، والمحسوبية والزبونية يتقدمان نحو الأمام ، فلا أمل في إصلاح ما لم تقرر معايير موضوعية لا دخل فيها لأحد من الناس ، وإنما ترجع إلى المعلوماتية دون غيرها من وسائل القياس.

وقد تركت هذه الوضعية الآنفة الذكر آثارا سيئة على العملية التربوية ، حيث تسببت في كثير من الاختلالات وراحت ضحيتها أجيال ومؤسسات ، فبعض المناطق تشهد هجرة ونزوحا لا ينقطعان ، وأخرى تشهد إقبالا وتراكما لا يتوقفان ، فقد أشارت بعض الدراسات إلى أن نحو 40% من موظفي القطاع يتمركزون في أقل من 10% من مساحة الطلب ، وهو ما أدى إلى اختلالات جوهرية ظلت عائقا لكثير من المناطق عن الاستفادة من التعليم ، زد على ذلك مشاكل التقري الفوضوي وقضايا السياسة فقد لعبا دورا كبيرا في هدر المتوفر من الطواقم البشرية .

ب‌) الترقية:

وتعنى استفادة موظفى القطاع مما يوفره من فرص تصاعدية في سلم إدارته وما يتيحه ذلك من مزايا معنوية ومالية يطمح الجميع إلى ولوجها ، وإلى إيجاد ذواتهم في تسيير القطاع من خلالها ، وهو ما حالت دون حصوله بشكل موضوعي ونزيه جملة العراقيل التي ذكرنا آنفا في سياق مشكلة التوزيع التي قلنا إن معاييرها الموضوعية تم القفز عليها ، وحل محلها الجاه والمال والنفوذ ، فالحال نفسه واقع وبطريقة أبشع في مجال الترقية ، فلن يلج أحد من أهل القطاع وظيفة فنية أو إدارية في الظروف العادية دون تدخل سياسي أو قبلي وازن أو تقديم عربون صداقة يضمن ولاء المعني وانسجامه التامين.

أما الكفاءة والمهنية والالتزام والجدية والسير الذاتية المثالية ، والأقدمية ... فتلك معايير لم يظلنا بعد زمن اعتبارها ، ولذلك لابد من حل هذين المشكلين بشكل عادل ونزيه حتى نضمن انسيابية التقدم الوظيفي وموضوعية الصعود المهني ، وعدم الشعور بالظلم أو الغبن في التحويل أو في الترقية.

ولن يسير قطار الإصلاح في الاتجاه الصحيح قبل حل هاتين المشكلتين فطالما ظلتا عائقا في سبيل توازن واستقرار ونضج العملية التربوية نظرا لمحوريتهما ودورهما في توفير السكينة والمناخ العام لعملية التعليم.
ثالثا: الإدارة المدرسية

وتعني الهيئة المباشرة والمشرفة على تنفيذ العملية التربوية ، فهي التي تتولى رقابة ما يجرى في الحجرات الدراسية وتنفيذ البرامج والمقررات الدراسية وتوزيع التلاميذ والمدرسين داخل كل مؤسسة تربوية كما تشرف على عملية التوجيه الدراسي ومباشرة عمليات النجاح والرسوب والطرد، وغير ذلك مما يتصل بالحياة اليومية الدراسية للتلميذ ، لذلك تحظى بأهمية كبرى نظرا لدورها المحوري والبارز في احتضان عملية التعليم والإشراف على مراحل إنجازها المختلفة ، وهو ما يتطلب تمكينها من الوسائل الإدارية والتربوية التي تمكنها من إنجاز المهمة على أكمل وجه ، وهنا يكمن الخلل وينتشر الداء ، فالمباني الإدارية والتربوية ناقصة ومتهالكة في أحيان كثيرة تشهد بذلك عمليات الاكتظاظ والتفويج ، والوسائل التربوية كالطاولات والسابورات والأدوات الهندسية والمخبرية تشهد هي الأخرى انعداما وتهالكا وتقادما يجعل العملية التربوية الناجحة في خطر ، ذلك أن توزيع وتحيين هذه المعدات منعدم تماما ولولا مشروع الطاولات الذي أنجز مؤخرا لكان أغلب التلاميذ اليوم بدون طاولات ، فما أحوجنا إلى مشاريع أخرى لبقية الأدوات المدرسية.

أما الكتاب المدرسي ومكتبات المطالعة فلا أثر لهما في الغالبية العظمى من مؤسسات التعليم الثانوي ، فلا تكاد تجد كتابا مدرسيا تستند إليه في تقديم البرنامج ، أما كتاب علمي أو أدبي توسع به دائرة معلوماتك أو آلة تصوير تكثر بها أوراقك فتلك أمور يجب البحث عنها قبل دخول باب المؤسسة النظامية الموريتانية .

أما المعدات الإدارية كالمكاتب والمقاعد والدواليب والسجلات فهي أمور تخلو منها بنود ميزانيات وزارات التعليم الجديدة ، أو قل لم يفرض لمؤسسات التعليم الثانوي نصيبا معلوما في البند المخصص لهذه اللوازم والمعدات في الميزانية العامة لوزارة التهذيب الوطني.

بقي بعد هذا من الإدارة المدرسية المديرون ومديروا الدروس والمراقبون ، وهي المجموعة التي لا تملك من الأمر سوى فرض الحد الأدنى من السكينة والنظام داخل المؤسسة التربوية ، فلا وسائل بأيديهم ولا حوافز في جيوبهم ، ولا أمل يشرق في مستقبلهم ، ومع ذلك يلقى عليهم باللائمة في كل صغيرة وكبيرة ، مما يدور في المؤسسة من اختلالات وخرق للنظام ، ويحرمون في الوقت نفسه من الجانب الإيجابي إن نجحت العملية التربوية حتى ولو كان معنويا.

بذلك يدرك الجميع أن الإصلاح ليس نيات تبيت في الصدور ولا تقارير وقرارات تقدم لسياسة الأمور ، وإنما هو جهد وكد يمارس بالوسائل وفي الفصول ، وتنفذ برامجه بالطواقم والطاقات و العقول ، وأول محطات إصلاحه إصلاح ما ذكرنا مما يتعلق بالجهاز التربوي والمصادر البشرية والإدارة المدرسية ، فإن انتهينا من هذا الثلاثي وأصبح قادرا على تأدية رسالته وإنجاز مهمته بالقدر الذي يضمن سير العملية التربوية وفق أهدافها المرسومة ، عند ذلك نشرع في تشخيص الوضعية القائمة اليوم ، ونفكر في الطريقة المثلى لعلاج الاختلالات على مستوى المدرسين وعلى مستوى التلاميذ ، فما هي الطريقة العملية الميدانية لتسيير المنظومة التربوية الموجودة اليوم على الأرض.؟
المقترح العملي:

يبدأ المقترح العملي برد الاعتبار المعنوي للمنظومة التربوية ، وأن نبشر الناس أنها ستكون بخير ، وأن عهد الخطابات والقرارات النظرية قد ولى ، وبدأ عصر العمل الميداني الذي ينطلق من إيقاظ الروح الوطنية وإحياء الضمير المهني وتفعيل التشجيع المادي ، وعندئذ يكون العمل على وتيرتين متوازيتين هما: العمل على تحسين أداء المدرسين ، والعمل على تحسين مستويات التلاميذ.

العمل على تحسين أداء المدرسين:وفي هذا السياق يجب أن نعمل على الاستفادة من الحيز الزمني الفارغ للمدرسين لتوظيف الراحات الفصلية والعطلة الصيفية في تحسين عملية الأداء التربوي الذي قلنا إن مرجعيته الأساسية تنطلق من ضوء التفتيشات التربوية والإدارية الموجودة ، أو نتائج الاستمارات التجريبية المنجزة ، ثم الاستعانة بالمسؤولين الاداريين والتربويين المباشرين يوميا للمدرس ، كل ذلك من أجل تحديد أولوية التكوين ونوعيته ومدته الزمنية ، وهنا تختلف أوضاع التعليم الأساسي عن التعليم الثانوي ، ذلك أن التعليم الأساسي يتمتع على مستوى كل مقاطعة بمفتشين تربويين ميدانيين تلقوا تكوينا تربويا وعلميا في مدرسة مهنية مشهورة ، مما يمكنهم من تحسين أداء المعلمين باستمرار كلما كان ذلك ضروريا وتوفرت وسائله.

أما التعليم الثانوي فبعكس ذلك تماما لأن مفتشية التعليم الثانوي ما تزال ممركزة في العاصمة ، ولأن طواقمها محدودة ولم تتلق تكوينا تربويا ولا علميا يضمن لها فرقا ـ ولو نفسيا ـ عن بقية الزملاء المدرسين ، ورغم ذلك فإن الجميع يعترف بمهمة التفتيش ولا يرفض الاستفادة من خدمات المفتشين إن وجدت ، وقد ساعد عامل التخصصات ومحدودية مؤسسات التعليم الثانوي على وجود الحد الأدنى من المفتشين في كل مادة ، وإن كان بعث هؤلاء إلى الميدان ظل عائقا في سبيل تأدية مهامهم نظرا لاعتبارات لا داعي للخوض في تفاصيلها هنا .

من ذلك يتبين أن مشكلة تحسين أداء المدرسين على مستوى التعليم الأساسي لا تمثل تحديا كبيرا نظرا لوجود مفتشي التعليم الأساسي ، أما التعليم الثانوي فيساعد عامل اعتبار كل مادة على حدة على توفر ما يكفى من المؤطرين إن تعلق الأمر بالتوجيه التربوي والإرشاد والتقييم لا إن تعلق بتحسين مستويات علمية أكاديمية.

وفي جميع الأحوال فإن الدفع نحو تحسين الأداء التربوي والعمل على توظيف الوقت الفائض للمدرسين سيعطى نتائج إيجابية إن تم بطريقة منظمة وعملية.

العمل على تحسين مستويات التلاميذ:ونعنى هنا معالجة الاختلالات الملاحظة على مستوى التلاميذ ، سواء تعلق الأمر بضعف المستويات العلمية أو تعلق بتدني نسبة النجاح في الامتحانات الوطنية ، لأن النتيجة واحدة وهي اختلال العملية التربوية .

وقبل تسليط الضوء على هذه الاختلالات يجب أن ننبه إلى أنه قبل حل مشكلة الامتحانات الوطنية بوضع حد نهائي لفوضوية الإعداد والرقابة والتصحيح ، لا يمكن أن يستقيم أمر ، ذلك أن هذه الفوضوية خلقت جوا من الإهمال والاتكالية بات من الصعب معه معالجة هذه الاختلالات ، لأن تلاميذ الابتدائية يدركون أن الامتحان سيحل على السبورة ، فما عليهم إلا كتابة الحلول ، وتلاميذ الإعدادية يعلمون أن الأساتذة سيساعدونهم ، وطلاب الباكلوريا يتكلون على الحظ ويتملكهم الإحباط من نزاهة التصحيح ، فقد شاع عندهم أن الأساتذة إنما يحدسون الأوراق وهو ما ترشد إليه نوعية النتائج ، ويدل عليه اختيار المصححين ، وتفضحه المدة الزمنية التي تستغرها عملية التصحيح بالمقارنة مع أعداد التلاميذ المترشحين من جهة وأعداد الأساتذة المصححيين ـ على قلته ـ من جهة أخرى ، زد على ذلك فوضوية الرقابة في كثير من الأحيان وشائعات التسريب وغياب الميدانية والمنهجية لدى إعداد هذه المسابقات ، لذلك سيبقي الإصلاح بعيدا ما لم تتخذ إجراءات عملية وحازمة ترد الاعتبار والثقة والموضوعية لهذه الامتحانات التي يتوج كل واحد منها نهاية مرحلة دراسية هامة يمنح الناجح فيها شهادة وطنية.

أما قضية معالجة مستوى التلاميذ الدراسي فيطرح تحديا تكاد مشكلة التعليم كلها تختزل فيه ، فمستويات التلاميذ تشهد تدهورا في كافة المستويات ، فالجيل الذي نشأ بعد الإصلاح الأخير لم يستطع تحقيق الازدواجية ، فضلا عن التمكن من إحدى اللغتين فلا هو استطاع تحصيل معارفه بلغته الأم ، ولا هو تمكن من لغة أخرى يحقق بها الحد الأدنى من المعارف ، ذلك أن تغيير لغة التدريس قبل التمكن من هيئة تدريس أخرى قادرة على القيام بالدور المطلوب كاملا يعد انتحارا تربويا نعيش تبعاته كل لحظة ، فقد أدى إلى تسريح نخبة كبيرة من الكادر البشري تلقت تكوينها بلغة أخرى ، مما نتج عنه نقص كبير في مدرسي المواد العلمية جعل الوزارة تلجأ إلى عقدويين لا يملكون علما ولا خبرة في مجال التعليم والتربية لسد النقص وتعويض الخلل هنا وهناك ، وقد ضاعف هذه المعاناة وأربكها جهل المربين لمقاربة الكفايات ، وانعدام الكتاب المدرسي الناضج الذي يقود المدرس ويوجهه ، في الوقت الذي غاب فيه دور التأطير والإشراف التربوي ، فكيف العمل والحالة هذه .

يبدو أن معالجة الوضع القائم تستدعى إعطاء كل مرحلة من مراحل التعليم وقفة ميدانية مركزة ، وأول ذلك أن نبدأ بحصر الخريطة المدرسية ، بل ونحاول اختزال ما أمكن منها ، ثم نمنع إنشاء أي مؤسسة جديدة حتى نتمكن من تنفيذ الخطة التالية: تعتمد هذه الخطة على التقسيم التقليدي لمراحل التعليم الثلاثة وتتناول كل مرحلة بشكل منفصل ، ثم تعتبر انطلاقا مما تقدم أن العوائق التربوية والبشرية والمالية قد تم التغلب على مجملها ، وأن ثمة هيئة تدريس جاهزة تملك من الوسائل التربوية ومن الإرادة الصادقة ما يمكنها من إنجاز المهمة التربوية انطلاقا من الحصر النهائي للخريطة المدرسية حتى يمكن تطبيق الخطة في جميع المدارس الوطنية.
أولا: المدرسة الابتدائية

تتكون البنية التربوية للمدرسة الابتدائية المكتملة من ستة أقسام أو أقل من ذلك إذا كانت غير مكتملة ، وقد تشهد هذه الأقسام تعددا إذا دعت الحاجة وتوفرت الطواقم والحجرات ، وقد جرت العادة بتقسيم التعليم الابتدائي إلى ثلاث حلقات تضم كل حلقة سنتين تصاعديا مما يساعد على اختزال عملية تحديد المستوى في إجراء اختبار تقويمي للسنوات الثانية والرابعة والسادسة انطلاقا من برامج هذه السنوات ، فمن نجح فيه يسمح له بالمتابعة ، ومن لم ينجح خضع لعملية رسوب يتلقى خلالها دروسا مكثفة تمكنه من تعويض الاختلالات الملاحظة ، وهذا ما يفرض على مدير كل مدرسة أن يختار بعناية المعلم الذي يسند له هذه المهمة وأن يمنح من الامتيازات ما يشجعه على تحسين عطائه ، ومعلوم أن معالجة الاختلالات في المرحلة الابتدائية تكاد تكون نتائجها مضمونة لأنها لم تشهد تراكما طويلا ، فلن يعكف معلم يحترم نفسه على قسم خلال سنة دراسية إلا تمكن من تحسين مستواه مهما كانت بلادة المسجلين فيه ، وهكذا فبتطبيق هذه الخطة في جميع مدارس الابتدائية حسب بنيتها وطاقمها وظروفها عند بداية السنة الدراسية ، فإن النتائج المرجوة ستكون مشجعة إن توفرت الإرادة وتهيأت الظروف.
ثانيا: المرحلة الاعدادية

أشرنا فيما سبق إلى ضرورة النظر بعين العدل و الحزم عند إعداد ورقابة وتصحيح الامتحانات الوطنية ، لأن ذلك هو الضمان الوحيد لأن يظهر كل بحقيقته الواقعية وليست المزيفة ، عندها سيكون من تجاوز بجهوده الذاتية مسابقة دخول السنة الأولى الإعدادية قادرا على متابعة دروسه فيها وإن رسب مرة فتلك ظاهرة طبيعية تعود لأسباب ذاتية وموضوعية ، هذا بالنسبة لمن تجاوز المسابقة مستحقا ، لكن هب أن جميع التلاميذ اليوم في الإعدادية تجاوزوا المسابقة وما قبل المسابقة بالطريقة المزيفة وغير المستحقة فما العمل؟.

في وضعية كهذه لابد من التعامل بواقعية مع الوضع الميداني وهو ما يحتم إيجاد حلول ميدانية ومنهجية لمعالجة الاختلالات المتراكمة ، ولابد أن تستند هذه الحلول إلى إجراء اختبارات تقويمية لجميع السنوات وفي جميع المواد تكون نتائجها هي المرجعية التي تبنى عليها البنية التربوية لكل مؤسسة ، حيث يكون من رسب في الاختبار التقويمي المذكور يرد إلى السنة السابقة ، ومن نجح يتابع ، هكذا في السنة الثانية والثالثة والرابعة ، أما السنة الأولى فلا يرد راسبها إلى الابتدائية وإنما يركز له على مواطن الاختلالات الملاحظة ، على أن تخص المجموعات الراسبة بدروس إضافية ونوعية تمكن من تعويض النواقص وجبر الخلل ، وليس هذا غريبا ، فالوزارة تقوم أحيانا بمثل هذا العمل في مدة أسبوعين وتكون له نتائج ، فماذا لو كان مدة سنة دراسية كاملة مع جهود الأهالي وهيئة التدريس ، وفي ظل ظروف أدرك الجميع ـ ومنهم التلاميذ ـ أنها جدية وأن الأمور فيها تسير نحو الأفضل ، لا شك عندي أن النتائج ستكون مرضية ومشجعة.
ثالثا: المرحلة الثانوية

يختلف الأمر في المرحلة الثانوية عنه في المراحل الأخرى ، لأن معالجة الاختلالات والنواقص تتضاعف كلما صعدنا في السلم بحكم التراكم والتعقيد ، فتعويض نقص مثلا في الابتدائية أو الإعدادية لا يتطلب من الوقت والجهد ما يتطلبه تعويض نقص في الثانوية ، من هنا كانت مشكلة التعليم الثانوي أكثر تعقيدا وأعمق أثرا ، لأن تراكم وهشاشة البناء المعرفي في المرحلتين السابقتين يلقى بثقله على هذه المرحلة نظرا لتراتبية وتكامل عملية المعرفة ، فيصبح النقص الملاحظ في الرياضيات أو اللغات مثلا يتطلب الرجوع إلى قواعد أولية ودروس أساسية كان من اللازم استيعابها قبل ذلك ، الأمر الذي يتطلب وقتا وجهدا ليس من السهل اختزالهما في ظرف قياسي بالموازاة مع البرامج السائرة والمقررة ، غير أن اعتماد الاستراتيجية السابقة لإجراء اختبارات تقويمية ونوعية تمكن من اكتشاف مواطن الخلل وسبل معالجتها ، قد يخفف من وطأة هذه الظاهرة لأنه يضع حدا بين الناجح الذي يمكن أن يواصل وبين الراسب الذي يتطلب عملا وجهدا من نوع آخر.

وهنا لا بد من تحقيق مطلبين أساسيين أحدهما يتعلق بالتلاميذ وهو إلغاء قانون الرسوب الذي يحتم الطرد عند كل رسوبين في سلك واحد حتى يتمكن التلاميذ من تعويض نقصهم وتحسين مستواهم وهم في ظروف نفسية مريحة ، أما الثاني فيتعلق بالأساتذة وهو اعتماد علاوة جديدة لمن تسند إليهم هذه المهمة باعتبارها جهدا إضافيا يستحق التشجيع ، و بعد ذلك يتم اتباع طريقة الامتحان التمهيدي الذي يحتم على المترشح للباكلوريا أن يكون قد تجاوز فيه ، مما يؤدى إلى المزيد من الجدية لدى التلاميذ ويخفف من أعداد المرشحين للشهادة ومن ثم التحكم في التصحيح مما قد ينجم عنه ارتفاع نسبة الناجحين .

تلك إجراءات ليست مكتملة ولا نهائية ولا نموذجية ، ولكنها تصب في اتجاه تحريك ماء العملية التربوية الآسن الذي لم يعرف من الحلول الميدانية العملية غيرما يتعلق بالنوايا والتقارير المجردة .

وقبل انتهاء هذا العرض لابد أن أبوح بأن إرادة إصلاح التعليم التي ظلت شغلا ذهنيا للأنظمة المتعاقبة على حكم البلد لم يكتب لها الوجود العملي ولا يمكن أن يفسر ذلك إلا بأن هذه الأنظمة لا ترغب في النخب الواعية والمتعلمة لأنها لن تقبل العيش في ظل الاستبداد ، أو أن هذه الأنظمة بحكم وضعها المعرفي والنفسي عجزت عجزا عضويا عن تحقيق عملية الإصلاح ، أو أن مشكلة التعليم لم تشخص تشخيصا سليما ، وبالتالي ظلت عمليات الإصلاح تسير في طريق آخر.

ومهما يكن من أمر فالنتيجة واحدة وهي انهيار التعليم منذ العقود الثلاثة الأخيرة شهد بذلك العالم والسلطة والمجتمع والواقع ... ومن نظر بعين الموضوعية والإنصاف إلى الحكم الذي يحكم البلاد منذ 2008 ـ ولا شك أنه أمثل الأحكام العسكرية طريقة ـ سيجد أن سعيه في إصلاح التعليم انحصر في خطوات عملية ثلاثة:

الأولى: إعلان النظام في مناسبات متكررة عن انهيار التعليم وفساده حتى سقط من أعين الناس ونفوسهم ، مما ترك أثرا سلبيا على ما كان باقيا من المنظومة المسكينة ، ثم سلمت هذه البقية للساسة يفسدون فيها يمينا ويسارا ، وقراءة سطحية في أسماء وزراء التعليم خلال هذه الفترة تمكننا من معرفة مكانتهم عند النظام ومواقعهم في الحزب الحاكم مما يعني أن التعليم أصبح ورقة في أيدي السياسيين أو هكذا أريد له.
الثانية: الأيام التشاورية

وهي المشعل الذي علق عليه أمل الإصلاح والذي استغرق التفكير فيه ثلاث سنوات وتنفيذه سنة كاملة ، وكانت نتيجته تقريرا مطولا سلمته لجنة المنتديات إلى الوزير الأول ولم يسمع عنه خبر بعد ذلك ، فهل علينا أن ننتظر سنين أخرى حتى يكون التقرير جاهزا للتنفيذ ، والمفارقة هنا أن رئيس البلاد قد اشتهر برفض الدراسات والتنظير وعرف عنه الإقدام المباشر على العمل والتنفيذ من غير الاستعانة بالتخطيط أو التنظير ، فما الذي حدث حتى يتخلى عن هذا المبدأ في سياق التعليم .

الثالثة: الإعلان عن ميلاد مدارس الامتياز

وهما لحد الآن وبشكل عملي مدرستان قامتا على فكرة ظالمة ، ذلك أن مبدأ الامتياز حق يجب أن يستفيد منه الجميع ، ثم يكون عامل التفوق الذاتي بعد ذلك ميزة يتفاوت فيها الناس ، لكن لنفترض أن الفكرة عادلة والمبدأ سليم ، فماذا تغني مدرستان عن أمة وشعب بأكمله ، أم أن إرادة الإصلاح يجب أن تختزل في مدارس محدودة لا يستفيد منها إلا ذوو المكانة من المقربين ، ثم توظف كشاهد على الاهتمام بالإصلاح وبالتعليم النوعي .

تلك حقيقة مرة يعرفها الناس ويشهد بها الواقع دفعني إلحاح الضمير واستشعار المسؤولية إلى توضيحها وإرسالها إلى أعلى سلطة في البلد بعد أن فشلت في مقابلتها خلال لقاء الشباب لعرض هذه الرؤية لعلها تكون لبنة في بناء عملية التعليم ومشعلا يستضاء به في مسيرة الإصلاح الوطني الطويلة .

وفي الأخير يجب التذكير بأن التعليم النظامي اليوم لا يعود بفائدة على المشتغلين به ولا على المستهدفين الموجه إليهم أصلا ، ولا حتى على الدولة التي تستثمر فيه ، لذلك يلزم ـ وقبل كل شيء ـ تلافي وضعيته قبل فوات الأوان .

وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب .

أصلح الله موريتانيا وأصلح تعليمها