كنت سطحيا تماما كحال بعض مناصري حزب تواصل ، ففي العام 2008 إستشطت غضبا ، عندما علمت بانقلاب أبيض صبيحة السادس من أغسطس ، كم كنت أكره الرئيس محمد ولد عبد العزيز عندما رأيته على شاشة الجزيرة مع مجموعة من الضباط من بينهم رفيق دربه رئيس أركان الجيوش الحالي محمد ولد الشيخ محمد أحمد ( ولد الغزواني ) وهم يمشون مشية المنتصر نحو وسائل الاعلام المرابطة أمام القصر الرئاسي، من شدة الحنق على القوم لم انتظر لأسمع ما أدلوا به من تصريحات لوسائل الاعلام إلى اليوم ، لأن العبارة التي سيعيدون تكرارها أحفظها جيدا : ....(قمنا بتصحيح المسار ) ، لا شيء غيرها يمكن أن يتلفظوا به ، لكن ما جعلني أختنق هو تصريح زعيم المعارضة أحمد ولد داداه الذي انتظرت تصريحه بعد أن علمت أنه عاد من جولة خارجية ، لكن الرياح لا تأتي بما تشتهيه السفن دائما ، فالرجل أكد أن الأمر ليس انقلابا إنما هو تصحيح ، فظهرت جبهة الدفاع عن الديمقراطية التي ضمت بين صفوفها جميع القوى المناهضة للانقلاب برئاسة مسعود ولد بلخير ، ومن بين تلك القوى كان حزب تواصل الوليد ، والذي كنت أتابع خطابات رئيسه جميل منصور بشغف حين كانت تأتي من أرض الله الواسعة عبر قناة الجزيرة ، وبعد الشد والجذب وتوقيع اتفاق دكار ، كانت الانتخابات الرئاسية التي تواحدت فيها الجبهة من أجل مرشح موحد ضد العسكر ، لكن تواصل شق الصف واعلن عن ترشيح جميل منصور تحت شعار (القوي الأمين ) ، يومها قلت في نفسي لماذا يفعلها الإسلاميون ، لماذا يضعفون جبهة المعارضة بترشيحهم هذا الذي لن يسمنهم ولن يغنيهم من جوع ، لماذا يفعلونها لمصلحة العسكر الذي كانوا يجابهونه توا، بعد انقلابه المشهود على أول رئيس يصل القصر الرئاسي من دون دبابة على الأقل .فكانت تلك أول إشارة غير لطيفة تصل من حزب تواصل إلى الشعب الموريتاني البريء من أمثالي ، خاض الجميع الانتخابات التي كانت التوقعات حولها تصب لصالح شوط ثاني ، إلا أن النتيجة جاءت مغايرة تماما لكل التوقعات وحسمت لصالح الرئيس محمد ولد عبد العزيز في الشوط الأول متماشية مع توقعات الرجل خلال الحملة ، وبينما كانت المعارضة تلملم أوراقها للاعداد لموقف يكون بداية لمواجهة جديدة مع العسكري الفائز ، تفاجأت الساحة السياسية بمباركة تواصل للنتائج الرئاسية لصالح الرئيس محمد ولد عبد العزيز ، فكان واضحا أن الحزب ذي المرجعية الاسلامية كما يقول ،يحاول ترسيخ حكم الرئيس محمد ولد عبد العزيز ، وإلا لما كان راضيا عن النتيجة لدرجة أن يقدم تبريكاته في إشارة واضحة على أن الأمر مقبول بل مطلوب ، لكن تلون هذا الحزب لا يقف عند حد ، فبعد الصيف العربي الساخن ، الذي قاده تنظيم الاخوان بدعم قطري لا لبس فيه ولا غموض ،انتقل الحزب بين عشية وضحاها من مبارك لنتيجة الانتخابات إلى رافض لشرعية النظام ومطالب بريحيله الفوري عن السلطة دون قيد أو شرط ، المعارضة الغبية تواصلت من جديد مع هذا الحزب وجابت معه جميع شوارع انواكشوط مرددة نفس المطلب وهو رحيل النظام ،بينما رفض مسعود وبعض من عقلاء السياسة أن يلدغو في جحر مرتين ، ورفضوا الانصياع لتواصل لأنهم يدركون أين سيرميهم ، وهذا بالضبط ما حصل للاحزاب التي وضعها على رأس شجرة من الصعب عليها أن تنزل منها ، وهذه أكبر خدمة قدمها حزب تواصل لنظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز ، حيث وفر عليه مشقة مقارعة معارضة راديكالية قوية بسبب تجربتها الطويلة في مقارعة الانظمة ، ولأن تواصل يستطيع أن يتلون في اليوم الف مرة فنزل من الشجرة على الفور سنة 2013 وشارك في النتخابات البلدية والنيابية أنذاك مقدما أكبر خدمة يمكن أن تقدم لنظام الرئيس وهي تشريع الانتخابات أمام العالم بأن أحد أحزاب المعارضة المطالبة بالرحيل شارك في الانتخابات صحبة المعارضة المحاورة ما أضفى شرعية على المسارالذي انتهجه النظام ، فظهر تواصل على حقيقته وهي خدمة النظام على حساب كل من عارض الانظمة التي حكمت هذه البلاد ، اليوم وبعد أن أصبح تواصل يتبجح عن طريق مدونيه بأنه انتصر فعلينا أن نعرف على من انتصر هذا الحزب ،
أنا أجيب ، تواصل انتصر على احزاب المعارضة وألحق بها أكبر هزيمة ، صدقوني وهذه أجل خدمة قدمها لهذا النظام،
لكن مالا يدركه تواصل أن مهمته انتهت فهو لا يمكنه أن ينافس هذا النظام الذي أدعمه أنا بكل صدق ، أما تواصل فكان مجرد أجير لدينا وقد نفذ المهمة المطلوبة منه على أحسن وجه لكنه نال أجرته وانتهى الحساب ، فالمعارضة الحقيقة هي تلك التي تتحصل على نسبة 47% مقابل 52% وليست المعارضة التي لا تتجاوز نسبتها 15% في أحسن أحوالها ، فهذه إنما وضعت نفسها على منصة المشنقة،فكل أسباب الحكم عليها قضائيا بالإعدام متوفرة أمام القاضي
ولا ينتظر إلا لحظة النطق بالحكم.