هسبرس: القذافي عقل استراتيجي كبير وأمريكا اغتالته بنذالة

ثلاثاء, 2016-05-24 17:56

في حواره مع هسبريس، يتحدث المفكر المغربي عبد الصمد بلكبير عن علاقته بالزعيم الليبي الراحل العقيد معمر القذافي؛ حيث اعتبره عقلا استراتيجيا كبيرا كان له مشروع في توحيد أفريقيا، وعمل على محاربة الكنيسة الكاثوليكية في القارة السمراء عبر استقطاب ثلاثمائة شيخ قبيلة وما يرتبط بهم من تلاميذ يحفظون القرآن بمقابل أجر شهري يصلهم من ليبيا.

يقول في رده على سؤال عن شيطنة القذافي وأسباب اغتياله:

"العقيد القذافي شخصية عامة يمكن الدخول إليها من مداخل متعددة، فهو استطاع أن يطور منظمة الوحدة الإفريقية إلى منظمة الاتحاد الإفريقي، بالضبط على شاكلة الولايات المتحدة الأمريكية، ولم يعد لها لكي تصبح ولايات متحدة أمريكية إلا قرارات بسيطة على مستوى السياسة الخارجية والدفاع، ولو بقي حيا لأنجز ما بدأه.

والمسألة الثانية أنه كانت له إستراتيجية بعيدة المدى لتوحيد إفريقيا، ومن أهمها برامج ذات طبيعة كبيرة مثل النهر الكبير، كان يشبه المحيط الأطلسي، الذي كان سيربط موريتانيا والسنغال بقناة ضخمة، وهذه القناة ستمر إلى وسط أفريقيا حيث ستصبح بحيرة تشمل ثمانية دول إفريقية، وتصبح تلك البحيرة ترتبط بالمحيط الأطلسي مدا وجزرا، وهكذا سيتغير المناخ الأفريقي وسيتغير الاقتصاد الإفريقي لوجود الشواطئ والصيد البحري والسياحة، وسيفرض على تلك الدول أن تصبح دولة واحدة لأن البحيرة توحدها.

وفي هذا الصدد، لا تنس أن ليبيا حسب تقرير التنمية البشرية لـ2010 سجلت البلد الثاني في التنمية البشرية على الصعيد العالمي؛ إذ لا يوجد في ليبيا أميون. يعني هي متقدمة على الصين والهند وأمريكا والبرازيل وإسرائيل، ثم في الجانب الصحي كذلك.

القذافي قاد حربا ضد الكنيسة، لأن الكنيسة وكما هو معروف، هي أداة ومقدمة الاستعمار، والمقصود هنا هي الكنيسة الكاثوليكية، يعني أن الفاتيكان تعتبر من أخطر الهيآت الاستعمارية في العالم، وتستعمل الدين لتمرير أهدافها الاستعمارية، وأكبر من كان يواجهها هي التنظيمات التي كانت تمولها ليبيا.

وهكذا استطاع العقيد القذافي أن يضع تحت لوائه ثلاثمائة ملك وشيخ قبيلة في أفريقيا وما يرتبط بهم من المدرسين الذين يدرسون القرآن في المسيد هم أيضا كانوا يتلقون أجورهم شهريا من قبل ليبيا.

ويمكن استحضار أمثلة كثيرة، لكن آخرها دعمه للقضية الفلسطينية وموقفه الحكيم من الحرب الإيرانية العراقية، والذي كان ضد الخطأ الجسيم الذي قام به صدام حسين، ثم حربه ضد الحركات الإسلامية والإسلام السياسي، فهو من كان يواجه في العالم العربي الإسلام السياسي المتهور والمتهود. وكانت له الجرأة في أن يتحدث عن ذلك في خطب، إلى غير ذلك.

وفي المغرب، وعندما قررنا مشروع عشرة مليون سائح، فهو الوحيد من وقف معنا، لم تقف معنا دول الخليج، هو الذي بنى أكثر الفنادق التي تستجيب لحاجيات عشرة مليون سائح بالمغرب. نحن كنا نبعث بلباس الجيش والأمن والدرك من مصانع النسيج المغربي، وكان أي مغربي يستطيع أن يسافر إلى ليبيا بدون فيزا، ويستطيع أن يجد عملا، وإن لم يجد يعود.

والشيء الخطير الذي اشتغل عليه القذافي هو دخوله المناطق المحرمة، وهي عندما اقترح الدينار الأخضر، تماما مثلما وقع لصدام حسين عندما رفض التعامل بالدولار وحُكم عليه بالإعدام لأن روح وإله أمريكا المسلح هو الدولار في إفريقيا.

القذافي اقترح الدينار الذهبي الذي سبق لماليزيا أن اقترحته على عهد مهاتير محمد، وطبعا كانت لديه الوسائل لكي يؤسس ذلك، وعندها تقرر إعدامه، والمسألة الأخطر هي امتلاك الحرب الثقافية، حيث انتبه إليها وانتبه إلى أن أخطر وسائل الغرب للهيمنة والسيطرة هي الثقافة، وأخطر شيء الثقافة الجماهيرية، مثل الكرة؛ بحيث اشترى بعض النوادي الأفريقية والإذاعة والتلفزيون والإعلام، وبدأ يشتري بعض القنوات ويستثمر في الأغنية، وبدأ يشتري شركات للغناء والصحافة المكتوبة ودور النشر، وشيء من هذا القبيل.

ولهذا حالما انتبهوا إلى أن اسثتماراته لا تذهب إلى العقار والفلاحة، وإنما تذهب إلى المؤسسات المدرة ماليا، ولكن الأخطر أنها مدرة ثقافيا، عندئذ فهموا أن هذا الرجل لا يمكن التعايش معه، ولذلك يجب القضاء على نظامه.

ولهذا يقولون لم يعمل شيئا، ولكن مجموع ما هدم في ليبيا أربعمائة مليار دولار. هل تعرف معنى هذا الرقم؟ كلها منشآت. إذن هناك من الأبنية التي بدأنا الآن، عندما أصبحت الصورة شيئا ما صالحة، نراها ونرى من العمران ما لم نكن نراه عندما كان القذافي، بحيث لم يكونوا ينقلون إلا صور الأحياء الهامشية والثانوية.

لقد اغتيل القذافي بنذالة وحقارة وليست لهم الشهامة ليظهروا حتى قبره. لأنهم يعرفون أن الشعب الليبي سيجعله مزارا. استمرت طلعات السلاح الفرنسي تحطم إلى أن بلغت عشرة آلاف طلعة للتخريب، وطبعا أنا أسميها لعنة القذافي.

لا أحد ممن قاموا بالمؤامرة على القذافي سلم اليوم، جميع الذين قاموا ضده، سواء الليبيون أو غيرهم، هم الآن مهمشون أو مقتولون. والفرنسيون الذين تصرفوا ودفعت بهم أمريكا إلى التصرف، الآن ماذا في يدهم؟ هم حاولوا أن يأخذوا الكعكة التي كانت تستفيد منها إيطاليا ولكن الآن إيطاليا خسرت كمكون أوروبي، ولكن أيضا فرنسا خسرت وستربح في الأخير الرأسمالية المتوحشة الأمريكية، لذلك هم يبكون الآن على مرحلة مضت."

هسبرس