لا تزال الآراء التي أفصح عنها الدكتور حسن الترابي مؤخرا تثير عاصفة من الردود. وقد وجدت من خلال تتبعي للجدل الدائر حولها شيئا من التساهل في النقل، والتسرع في الحكم، واتهام النوايا، ونقص الاستقراء، وصياغة المسائل الفرعية صياغة اعتقادية، والظاهرية التجزيئية في التعامل مع النصوص، وتداخل الأهواء الشخصية والسياسية مع الآراء الشرعية.
وهذه نظرات على معظم آراء الترابي المثيرة للجدل، نضع من خلالها هذه الآراء ضمن سياق التراث الإسلامي، آملين من خلال ذلك أن يرتفع الحوار حول آراء الترابي إلى مستوى الحوار المعرفي، بديلا عن خطاب التكفير والتشهير. فلست أشك أن لدى كل من الترابي ومخالفيه من أهل العلم ما يثري الحوار وينفع الأمة، إذا ساد الجِدُّ العلمي وخلصت النية لله رب العالمين..
ولست بالذي يفاجأ إذا أحاط بآراء الترابي الكثير من اللبس وسوء الفهم، فقد كنت أشرت في مقدمة كتابي عن "الحركة الإسلامية في السودان: مدخل إلى فكرها الاستراتيجي والتنظيمي" إلى ما اتسمت به كتابات الترابي من "التجريد في الأفكار والمصطلحات"، مؤكدا أنه "ليس من السهل على شباب الصحوة الإسلامية غير المتمكنين من ناصية اللغة العربية، المتمرسين بالمفاهيم الفلسفية والأصولية، أن يستوعبوا جميع كتابات الترابي بعمق، وهي كتابات تجمع بين تجريدات (هيجلْ) الفلسفية ولغة الشاطبي الأصولية".
ومما يحسن بيانه هنا أيضا أن هدف هذه الملاحظات ليس الدفاع عن شخص الترابي، فأنا –بنعمة من الله- ممن يؤمنون بقدسية المبادئ وأرجحيتها على مكانة الأشخاص، بمن فيهم الصحب الكرام رضي الله عنهم، وكتابي المعنون: "الخلافات السياسية بين الصحابة: رسالة في مكانة الأشخاص وقدسية المبادئ" رسالة تأصيلية في هذا السبيل نسأل الله قبولها ووصولها.. كما يحسن التأكيد على أني لم ألتق الدكتور الترابي قط، ولا وطئت قدمي أرض السودان الطيبة. ويوم كان الترابي ذا جاذبية سياسية عظيمة وحضور وطني ودولي لم أحضر مؤتمراته، ولا اشتركت في "مؤتمره الشعبي العربي الإسلامي".. أما اليوم فإن الترابي فقدَ الكثير من بريقه السياسي الذي اكتسب به أنصارا وأتباعا في الماضي، ولم يعد ممن يخشى الناس لهبَه أو يرجون ذهبَه كما يقال.
فلست إذنْ بالذي تجمعه مع الترابي علائق شخصية أو سياسية تؤثر سلبا أو إيجابا على رأيي فيه وفيما يطرحه من آراء مثيرة، وإنما أنا طالب علم أهتم بتجارب الحركات الإسلامية وفكر قادتها وعلمائها، وقد دفعني البحث في تجربة الحركة الإسلامية في السودان إلى تتبع فقه الترابي عن كثَب، والبحث في سياق أقواله ضمن رؤيته الفكرية العامة.
فهدف هذه الملاحظات حصرا هو دفع داء التكفير والتشهير الذي يستسهله البعض اليوم، والحث على أخذ المسائل الشرعية بمأخذ الجد دون تعجل، والعودة إلى منهج العلم والعدل وحسن الظن بأهل العلم، مهما أغربوا أو خالفوا المتعارف عليه من النقول والفهوم، كما أوصى فقيه الأندلس أبي بكر بن عاصم في "مرتقى الوصول":
وواجبٌ في مشكلات الحكمِ *** تحسيننا الظن بأهل العلمِ
وأرجو من الله عز وجل أن تعين هذه الملاحظات على تبصرٍ أكثر بالمسائل المطروحة، وعدمِ استسهال البتِّ فيها بتسرع، وإمساكِ أهل العلم والعدل بزمام المبادرة فيها، وهم الذين يستطيعون أن يقدموا للأمة ما يفيدها في هذه المسائل، بدلا من تركها منبرا مفتوحا لمتتبعي العورات، المسترخصين تكفيرَ أهل التوحيد وتضليلَهم وتبديعَهم. ورحم الله إمام الحرمين الجويني إذ يقول: " فإن قيل: فَصِّلُوا ما يقتضي التكفير وما يوجب التبديع والتضليل. قلنا: هذا طمع في غير مطمع، فإن هذا بعيد المدرَك ومتوعر المسلك"[1].
*****
لقد وجدت قسما كبيرا مما أنكر على الترابي أمورا اعتقادية أو فقهية منسوبة إليه تحاملا أو سوء فهم، وهي: القول بالفناء الحلولي في ذات الله، وإيمان أهل الكتاب، وإباحة الردة والخمر، وإسقاط الخمار. فلنستعرض هذه الأمور بإيجاز:
الفناء في ذات الله
قال بمقولة الفناء الحلولي في ذات الله بعض ملاحدة المتصوفة والفلاسفة في الماضي والحاضر. ولم أجد في موضع من مؤلفات الترابي –على مراسي بها وطول اصطحابي لها- استعمال مصطلح "الفناء في الله" ولا "الفناء في ذات الله"، وإنما وجدته يستعمل مصطلح "الفناء في سبيل الله"[2]وأحيانا يستعمل مصطلح "الفناء في أمر الله" فيقول مثلا إن التوحيد "يحرر المؤمن من كل ما يستعبده في النفس والمجتمع ويخلصه لربه، فيلتزم من تلقاء نفسه بأمر الله ويتحد به ويفنى فيه، ولا يستشعر مجانبة ولا حرجا"[3]. وهو قطعا لا يقصد باستعمال هاذين المصطلحين أكثر من استهلاك النفس والمال في نصرة الإسلام، مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم: "ورجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء"[4]. كما وجدت الترابي يتحدث عن "مرحلة الفناء" ضمن حديثه عن التطور التنظيمي للحركة الإسلامية، ويقصد به فناء الحركة في المجتمع وذوبانها فيه بعد نضجها وصلابة عودها، مقابل مرحلة التمايز والانحياز عن المجتمع التي تصاحب فترة التأسيس.
وإحسانا للظن بخصوم الترابي أرى أن اللبس قد دخل عليهم من شَبَه الاصطلاح هذا، وهم لا يدركون –على ما يبدو- أن استعمال مصطلحات الحلولية الملحدة ليس مرادفا للإيمان بمضمونها، وأن لا مشاحة في الاصطلاح ابتداء، فهذه ألفاظ عربية كانت موجودة قبل أن تظهر عقيدة الفناء الحلولي في الثقافة الإسلامية. ولغة الصوفية واصطلاحاتها سائدة في السودان وغيره من البلدان التي دخلها الإسلام على أيدي المتصوفة، فالدكتور حسن مكي مثلا يتحدث عن "فناء" الجيوش المعاصرة في الدولة[5].
فاستعمال اصطلاحات "القوم" من طرف الترابي أو غيره لا يعني بالضرورة إيمانا بمدلولها عند غلاتهم. وحتى الصوفية الذين يستعملون مصطلح "الفناء في الله" لا يقصد أغلبهم به الحلول، وإنما استعار أغلبهم هذا التعبير المنحرف من فلسفة الأوائل ودرجوا على استعماله من غير علم بمدلوله الأصلي، ولو سألت أغلبهم اليوم عن معناه لما استطاعوا جوابا.
وقلَّ أن يطلع الباحث على تشخيص أدق لانحرافات بعض المتصوفة أو تعبير أعمق عنها مثل تشخيص الترابي وتعبيره وهو يصف ما في "واقع الصوفية من بدعيات وجهالة في الاعتقاد والعمل، ومن كثافة طقوس تكاد تستنزف طاقات التدين في المراسم والأشكال، ومن رخاوة شرعية تقعد بصاحبها ساكنا عاجزا، ومن فرْط ولاء واتباع يكاد يحجب عن الله..."[6].
إيمان أهل الكتاب
ومن أكثر الأمور إثارة قول خصوم الترابي إنه يقول بإيمان أهل الكتاب، مما يوحي بأنه يسوي بين المسلمين وأهل الكتاب في الاعتقاد، وهذا مثال آخر على التحامل وسوء الفهم. فلم يقصد الترابي يوما أن دين أهل الكتاب في حالته الراهنة صحيح مقبول عند الله تعالى، ولا أنهم غير مطالبين باعتناق الإسلام، ولا هو يسوي بين توحيدنا وتثليثهم، كيف وهو الذي كتب أحد أعمق الكتب وأجملها عن "الإيمان: أثره في حياة الإنسان"، وبين فيه بمنهجه التركيبي البديع أنواع الانحرافات التاريخية التي دخلت على منهاج التوحيد. وهو يُرجع أغلب أمراض التدين لدى المسلمين إلى اتباعهم سنن أهل الكتاب في فهم النصوص وفي تنزيلها على الوقائع.
لقد وصف القرآن الكريم أهل الكتاب بالكفر في آيات عديدة يعسر حصرها. كما وصفهم بالشرك في بضع آيات، منها قوله تعالى: "اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون"[7]وقوله تعالى: "لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار"[8].
وكلام الترابي صريح بكفر أهل الكتاب وبشركهم. والذين يظنون أن الترابي المتضلع بمعاني القرآن الكريم يجهل ذلك أو لا يقول به مخطئون من دون ريب. ففي كتابه: "السياسة والحكم" وهو آخر ما كتبه من كتب (صدرت طبعته الأولى عن دار الساقي عام 2003) يصم الترابي أهل الكتاب بوصمة الشرك ثلاث مرات في صفحة واحدة، مستشهدا بنصوص القرآن الكريم، فيقول: "فقد كان الكتابيون بعد الدين الحق قد ارتدوا إلى إشراك... وكانوا يحملون على دين التوحيد المتجدد وهم مشركون... وفي شمال الجزيرة العربية تحالف الإشراك كافة كتابيا وعربيا، وأخذ يعدو على المسلمين"[9]. كما وصم الترابي أهل الكتاب بوصمة الكفر أكثر من مرة في نفس الكتاب فتحدث عن "الكفر الكتابي"[10]ضمن وصفه لحال يهود المدينة أيام النبوة.
أما تمييز الترابي لأهل الكتاب عن المشركين أحيانا فهو تمييز اصطلاحي، وله أصل في القرآن الكريم، مثل قوله تعالى "لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين..."[11]. قال ابن تيمية: "إن الشرك المطلق في القرآن لا يدخل فيه أهل الكتاب وإنما يدخلون في الشرك المقيد قال الله تعالى: (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين) فجعل المشركين قسما غير أهل الكتاب"[12]. وقال: "فلأجل ما ابتدعوه من الشرك الذي لم يأمر الله به وجب تمييزهم عن المشركين، لأن أصل دينهم اتباع الكتب المنزلة التي جاءت بالتوحيد لا بالشرك"[13].
وكذلك تمييز الترابي بين أهل الكتاب والكفار تمييز اصطلاحي، وله أيضا أصل في القرآن الكريم، مثل قوله تعالى: "ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا"[14]. وإذا كان كثيرون لا يرون التباسا في التمييز الاصطلاحي بين أهل الكتاب والمشركين، لكثرة ما تردد في القرآن الكريم، فإن بعضهم يستشكل التمييز الاصطلاحي بين أهل الكتاب والكفار. لكن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ممن انتبهوا إلى وجود هذا التمييز في الكتاب العزيز، فقال: "مع أن الكفار قد يُميَّزون من أهل الكتاب أيضا في بعض المواضع كقوله: (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا) فإن أصل دينهم هو الإيمان، ولكن هم كفروا مبتدعين الكفر"[15].
ومما يثير الإشكال لدى خصوم الترابي استعماله مصطلحات غربية لم يعتدها جل الدارسين بالجامعات الإسلامية، مثل مصطلح Monotheistic Religionsالذي يترجم عادة بعبارة "الديانات التوحيدية"، ومصطلحAbrahamic faithsويترجم عادة بعبارة "الديانات الإبراهيمية" ويراد بهاذين المصطلحين في الجامعات الغربية اليهودية والمسيحية والإسلام. وهي ترجمة غير دقيقة، لأن اليهودية والمسيحية لم تعودا ديانتين توحيديتين ولا ملتين إبراهيميتين، ولكن الترابي ومالك بن نبي وغيرهما من كتاب الإسلام المتضلعين بالثقافة الغربية يستعملونها اصطلاحا، وإن لم يعنوا معناها المتبادر في أصل الوضع اللغوي العربي، أو في الاصطلاح الشرعي الإسلامي. وقد رأينا كيف ميزت آيات من القرآن الكريم بين أهل الكتاب والمشركين وبين أهل الكتاب والكفار تمييزا اصطلاحيا، دون أن ينفي ذلك صفة الشرك والكفر عن أهل الكتاب.
ويتحدث الترابي أحيانا عن التراث المشترك بين المسلمين والمسيحيين. وقد أثار هذا النوع من أحاديث الترابي حفيظة البعض، رغم أنه كلام لا غبار عليه، ففي الإسلام والمسيحية –رغم الخلاف في مسائل أساسية من العقيدة- مشتركات كثيرة، اعتقادية وأخلاقية وعملية. ويكفي تصفح العهد القديم (التوراة) والعهد الجديد (الإنجيل) الموجودان الآن –على تحريفهما- لترى أوجه الشبه الكثيرة مع النص القرآني. فقصة آدم ونوح ويوسف وعدد آخر من الأنبياء عليهم السلام تتشابه كثيرا في القرآن الكريم وفي العهد القديم وأحيانا بنسبة لا تقل عن السبعين بالمائة. وهنالك مشتركات كثيرة في مجال الإيمان بالمعاد والجزاء. كما أن الدعوة إلى فضائل الأخلاق من الصدق والأمانة والإنصاف وحسن الجوار...الخ متشابهة في القرآن الكريم وفي "العهد الجديد".
لكن الترابي لم يقصد في يوم من الأيام مساواة بين الإسلام وديانات أهل الكتاب الحاليين في التوحيدية أو في الإبراهيمية، بل تواتر كلامه نافيا لذلك. فهو يقول مثلا نافيا عن النصارى صفة التوحيدية: "انقطع النصارى عن الرب الواحد بالواسطات الكنسية، وعن أصل دينهم بالمقولات العقدية لمؤتمرات القديسين"[16]. ويؤكد أن اليهود والنصارى "أشد كفرا بالرسالة المحمدية، غيرة من أصالتها الإبراهيمية"[17]. فهل يقول منصف بعد هذا أن الترابي يسوي بين الوحي الإسلامي الأصيل والمحرَّف الكتابي الدخيل؟!
لقد جاء القرآن الكريم مصدقا لما بين يديه من التوراة والإنجيل، وهو ما يقتضي بقاء شيء من الحق يصدقه القرآن، ولكنه جاء أيضا مهيمنا عليهما، وهو ما يستلزم رد ما يخالف القرآن في نصوصهما المحرفة الحالية. وثنائية التصديق والهيمنة هذه تختصر العلاقة الدينية بين المسلمين وأهل الكتاب. وقد تحدث ابن القيم عن المشتركات مع أهل الكتاب، فقال: "قالوا [أي العلماء الذين يخصون أهل الكتاب بدفع الجزية دون غيرهم من الكفار]: ولا يصح إلحاق عبدة الأوثان بأهل الكتاب، لأن كفر المشركين أغلظ من كفر أهل الكتاب. فإن أهل الكتاب معهم من التوحيد وبعض آثار الأنبياء ما ليس مع عباد الأصنام ويؤمنون بالمعاد والجزاء والنبوات، بخلاف عبدة الأصنام. فعبدة الأصنام حرب لجميع الرسل وأممهم من عهد نوح إلى خاتم الأنبياء والمرسلين. ولهذا أثر هذا التفاوت الذي بين الفريقين في حِلِّ الذبائح وجواز المناكحة من أهل الكتاب دون عباد الأصنام"[18].
وماذا سيكون يا ترى رد فعل المنكرين على الترابي هنا إذا قرأوا هذا الكلام لابن القيم، وهو يعزو فيه إلى "طائفة من أئمة الحديث والفقه والكلام" منهم الإمام البخاري وشيخ الإسلام ابن تيمية والإمام الرازي قولهم بأن التوراة الموجودة في أيدي اليهود اليوم غير محرفة أصلا، وأن التحريف وقع في تأويل النص، لا في النص ذاته. قال ابن القيم: "فصل: وقد اختلفت أقوال الناس في التوراة التي بأيديهم هل هي مبدلة، أم التبديل والتحريف وقع في التأويل دون التنزيل على ثلاثة أقوال: طرفين ووسط. فأفرطت طائفة وزعمت أنها كلها أو أكثرها مبدلة مغيرة، ليست التوراة التي أنزلها الله تعالى على موسى عليه السلام، وتعرض هؤلاء لتناقضها وتكذيب بعضها لبعض، وغلا بعضهم فجوز الاستجمار بها من البول. وقابلهم طائفة أخرى من أئمة الحديث والفقه والكلام فقالوا: بل التبديل وقع في التأويل لا في التنزيل، وهذا مذهب أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري قال في صحيحه: (يحرفون: يزيلون، وليس أحد يزيل لفظ كتاب من كتب الله تعالى، ولكنهم يحرفونه، يتأولونه على غير تأويله). وهذا اختيار الرازي في تفسيره. وسمعت شيخنا [ابن تيمية] يقول: وقع النزاع في هذه المسألة بين بعض الفضلاء فاختار هذا المذهب ووهَّن غيره، فأُنكِر عليه، فأحضر لهم خمسة عشر نقلا به... وتوسطت طائفة ثالثة، وقالوا: قد زيد فيها وغُيِّر ألفاظٌ يسيرة، ولكن أكثرها باق على ما أنزل عليه، والتبديل في يسير منها جدا. وممن اختار هذا القول شيخنا [ابن تيمية] في كتابه (الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح)... ونحن نذكر السبب الموجب لتغيير ما غير منها، والحق أحق ما اتبع. فلا نغلو غلو المستهينين بها المتمسخرين بها، بل معاذ الله من ذلك، ولا نقول إنها باقية كما أنزلت من كل وجه كالقرآن"[19].
والتوراة الموجودة في أيدي اليهود منذ مجيء الإسلام إلى اليوم هي الأسفار الخمسة الأولى مما يعرف اليوم بالعهد القديم (أسفار: التكوين والخروج واللاويين والعدد والتثنية) وليس من ريب أن العلماء القائلين إنها لم تنلها يد التغيير والتبديل قد أخطأوا خطأ جسيما، إذ يكفي تصفح سريع لتلك الأسفار للتوصل إلى استنتاج قاطع بتحريفها. ولو كان الترابي اليوم يقول إن التوراة الحالية لا تزال طرية كما أنزلت من عند الله لاستبيح دمه. رغم أن هذا الخطأ الفادح وقع فيه في الماضي علماء أعلام من حجم الإمام البخاري والإمام الرازي. ورغم ذلك فلا تزال الأمة تجلُّهم، وحق لها ذلك، فهم أهل للإجلال والإكبار.
والخلاصة أن ما قيل من قول الترابي بإيمان أهل الكتاب مجرد سوء فهم لتمييزات اصطلاحية يستخدمها أحيانا لدواع لغوية أو لمناورات سياسية. وأن تكفيره والتشهير به بسبب ذلك ينافي العلم والعدل الواجبان في مواطن الخلاف.
إباحة الردة والخمر
ومما نسبه إلى الترابي خصومه تحاملا أو سوء فهم قولهم إنه يبيح الردة، وهو لم يبحها قط وما يستطيع مسلم أن يبيحها، وإنما يقول الترابي – شأن العديد من العلماء المعاصرين وبعض المتقدمين- إنه لا عقوبة دنيوية قانونية على الردة ما لم تتحول إلى خروج سياسي وعسكري على الجماعة. فالردة تبقى أعظم الذنوب في الإسلام، لأنها هدم لأساس الدين، ولا ينكر الترابي ولا غيره من المسلمين ذلك، لما ورد فيه من آيات محكمات، مثل قوله تعالى: "ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون"[20].
وغاية ما يقول به الترابي إن عقوبة الردة –إذا لم يصحبها خروج على الجماعة- محصورة في العقوبة الأخروية، وفي ذلك يقول: "وللمجتمع بمشيئته أن يؤمن أو يكفر بالرسالة الحاملة للشريعة، متروكا لأجَل القيامة وحسابها في مواقفه"[21]"ويخلِّي الشرع للإنسان أن يصرف رأيه تثبتا أو تعديلا أو تبديلا، ولو في أصل مذهبه مؤمنا، قد يؤاخَذ على ذلك غيبا في الآخرة، ولكن لا يؤذيه أحد في الدنيا بأمر السلطان"[22]. فالذي يدعي أن الترابي بهذا يبيح الردة، كالذي يدعي أن القرآن يبيح الردة بقوله تعالى: "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"[23]وما أفدحه من خطإ وأعرجَه من فهم!!
إن هنالك فرقا شاسعا بين الذنب الواقع بين العبد وربه، وبين الجريمة بالمعنى الجنائي الذي يعاقب عليه الشرع عقوبة قانونية دنيوية، فعدد الكبائر في الإسلام حسب ما يروى عن ابن عباس يناهز السبعين، والشرع لم يجعل لأكثرها عقوبة قانونية دنيوية، ولم يقصد الترابي في حديثه عن الردة أكثر من ذلك.. لكن الذين لا يميزون بين القانون الخلُقي (حق الله) والقانون الحقوقي (حق العباد) في الإسلام يخلطون في هذا الأمر خلطا عظيما. وسنتحدث عن قول الترابي في عقوبة المرتد لا حقا في هذه الملاحظات، لأن ما يهمنا في هذه الفقرة هو بيان التحامل والتأويل السيء الذي لابس الجدل بين الترابي وخصومه.
وفي إطار التحامل وسوء الفهم يأتي اتهامهم للترابي بإباحة الخمر، وهو لم يبح الخمر قط، بل جاهد عقودا من الزمن لمحو الخمر من المجتمع السوداني المسلم الذي ابتلي بهذا الداء العضال منتصف القرن العشرين، حتى تحدث الدكتور عبد الوهاب الأفندي عن أن "ثقافة الجيش [السوداني]... كانت محكومة بقواعدها الخاصة التي تعتبر تعاطي الخمر وممارسة الزنا عنوانا للرجولة"[24].
ومرد سوء الفهم هنا هو الخلط بين القانون الخلُقي والقانون الحقوقي في الإسلام مرة أخرى. وهو لبس حاول الترابي في كثير من كتاباته إزالته، وبين أن تعاليم الإسلام أوسع كثيرا من أحكام الشريعة بالمعنى القانوني، فهي تشمل سلطة الضمير، وسلطة المجتمع، وسلطة القانون، أو بحسب تعبيره: "الوجداني الخاص للفرد، والاجتماعي الأخلاقي للمجتمع، والقطعي السلطاني للشريعة"[25]. وهو يؤكد ضمن هذه الرؤية أن القانون لا يطال شارب الخمر إلا إذا بلغت فعلته السلطان، فأصبحت بذلك أمرا عاما. وهذا قول صحيح، ولا يقصد به الترابي أكثر من كون استتار المذنب يجنبه العقوبة القانونية، وهو لم يقل إن ما فعله ذلك المذنب مباحا عند الله عز وجل. فعدم وجود عقوبة دنيوية على الذنب أو عدم إيقاعها لا يجعل الفعل مباحا، وكم من معصية شرعية نصبت لها الشريعة عقوبة أخروية، لكنها لم تعتبرها جريمة جنائية ولم ترسم لها عقوبة قانونية دنيوية. ومن المعلوم أن الشرع يأمر بالستر، ولا يبيح للحاكم التجسس على الناس وتتبع عوراتهم وذنوبهم، وإنما يأمره أن يأخذهم بما يجاهرون به. وقد ورد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما مرفوعا: "اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عز وجل عنها، فمن ألم فليستتر بستر الله عز وجل، فإنه من يبد لنا صفحته نُقمْ عليه كتاب الله"[26] وعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه: " إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم"[27].
إسقاط الخمار عن المرأة
ومن هذا الصنف القول بأن الترابي لا يرى وجوب الحجاب (بمعنى غطاء الرأس)، في حين أن الرجل لم يقل سوى أن القرآن الكريم لا يستعمل لفظ الحجاب بمعنى الخمار، وهو يقصد أن الواجب على عامة المؤمنات هو الخمار أي غطاء الرأس، وليس الحجاب بالمصطلح القرآني الذي يراد به الساتر المادي بين الرجال والنساء، وقد استُعمل في القرآن الكريم ضمن الحديث عن أمهات المؤمنين رضي الله عنهن. فكان كلام الترابي في هذه المسألة تحليلا لغويا لا فتيا شرعية، وهو كلام صحيح ودقيق. لكن المتحفزين لتتبع عورات الرجل حملوا كلامه على أنه إسقاط لوجوب الخمار، وكلام الرجل صريح بأنه لا يقصد ذلك ولا يؤمن به. فكتاب الترابي عن "المرأة بين تعاليم الدين وتقاليد المجتمع" طافح بالدعوة إلى العفاف والستر بما في ذلك الخمار، وفيه يقول الترابي: "وهديُ النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يبدو من المرأة إلا الوجه والكفان"[28]. وقد بين الترابي المحامل السيئة التي حمل عليها خصومه كلامه عن الحجاب والخمار، فقد سألته صحيفة الشرق الأوسط يوم21/4/2006: "أثار حديثكم عن الحجاب جدلا واسعا، باعتبار أنه تغطية الصدر من دون الرأس.. فما حقيقة هذا الأمر؟" فرد الترابي: "هذه أكاذيب بعض الصحافيين الذين لم يحضروا الندوة التي تحدثت فيها عن بعض قضايا المرأة المسلمة. فهناك كلمات كُتبتْ لم أقلها، فبعض الصحافيين يستهويهم اسم الترابي فينسبون إلي ما لم أقله. فأنا في تلك الندوة ما كنت أتحدث عن أحكام أصلا، بل كنت أتحدث عن أن لغة القرآن نفسها اختلفت جدا في مصطلحات الناس.
فالقرآن تحدث عن الحجاب أنه في حجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن نساء الرسول عليهن أحكام خاصة عن غير النساء وعلى الرسول نفسه أحكام خاصة من دون الرجال المؤمنين... فالحجاب هو ستار عام ليس هو زي في لبس المرأة. فهو حجاب عام قد يتخذ استعارة في اللغة كأن تصف أن بين الناس وبين القرآن حجابا... قلت في المحاضرة إذا تحدثنا عن زي المرأة لا تتحدثوا عن حجاب والمعركة حول الحجاب والمحتجبة، لكن تحدثوا عن الخمار، تحدثت هكذا بيانا للغة لا الأحكام... ولكن يطير بعض الناسب الأخبار (الترابي أنكر الحجاب) (الترابي يقول إن الحجاب للصدور فقط) كأني أريد أنيكون كل ما تحت الصدر أي من البطن كله يكون كاشفا!! ولكن هذا غباء عظيم وتزوير في الروايات عن الناس. ليت الصحافيين فقط يأخذون سماعة الهاتف ويسألونني ليتثبتوا من مثل هذه الأخبار... أنا لا أسميه أصلا حجابا، أسميه خمارا، لأن القرآن سماه لنا خمارا وسمى لنا الستار في الغرفة حجابا"[29]. ولولا ولع الترابي بالتدقيق اللغوي والاصطلاحي لما اهتم أحد بهذا الأمر أصلا. وعموما فهو لم يفعل هنا سوى أنه آثر استعمال الاصطلاح القرآني على الاصطلاح الفقهي السائد.
*****
القسم الثاني من المآخذ على الترابي قضايا فقهية فروعية يصلح الاختلاف فيها، وفيها خلاف قديم طمره تراكم الجهل وطول العهد وانبتات الأمة عن تراثها الزاخر، مثل قتل المرتد، وإمامة المرأة الرجال، وبقاء المسلمة في عصمة زوجها المسيحي، وتنصيف شهادة المرأة بشهادة الرجل في الأموال. وآراء الترابي فيها –في تقديري- منها ما هو مقبول ومستنده قوي رغم إغرابه وقلة القائلين به اليوم، مثل رفضه لقتل المرتد المسالم، وتسويته بين الرجل والمرأة في الشهادة، ومنها ما هو ضعيف المستند، لكنه يبقى من موارد الاجتهاد، وقد قال به علماء أعلام من قبل، فلم يجعلهم ذلك كفارا، ولا حتى أخرجهم شذوذهم عن دائرة "السنة والجماعة"، وهي دائرة أضيق كثيرا من دائرة الإسلام الواسعة. فتحويل هذا الأمر اليوم إلى قضية كفر وإيمان غلو وتهويل، وهو يدل على الروح السياسية والطائفية التي سادت هذا الجدل أكثر من الروح العلمية النزيهة.
إمامة المرأة الرجال
وخذ مثلا قضية إمامة المرأة الرجال. فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية ينسب إلى الإمام أحمد بن حنبل جوازها في بعض الظروف فيقول: "جوَّز أحمد في المشهور عنه أن المرأة تؤم الرجال لحاجة، مثل أن تكون قارئة وهم غير قارئين، فتصلي بهم التراويح، كما أذن النبي صلى الله عليه وسلم لأم ورقة أن تؤم أهل دارها، وجعل لها مؤذنا. وتتأخر خلفهم وإن كانوا مأمومين بها للحاجة. وهو حجة لمن يجوز تقدم المأموم لحاجة"[30] ويقول ابن تيمية: "قلت: ائتمام الرجال الأميين بالمرأة القارئة في قيام رمضان يجوز في المشهور عن أحمد. وفي سائر التطوعات روايتان"[31]. وهذا الإمام النووي يقول: "قال أبو ثور والمزني وابن جرير تصح صلاة الرجال وراءها حكاه عنهم القاضي أبو الطيب والعبدري"[32]. وهذا ابن رشد يقول: "اختلفوا في إمامة المرأة، فالجمهور على أنه لا يجوز أن تؤم الرجال، واختلفوا في إمامتها النساء، فأجاز ذلك الشافعي، ومنع ذلك مالك. وشذ أبو ثور والطبري فأجازا إمامتها على الإطلاق"[33]. فحديث قول الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة في السودان عن"إجماع الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وغيرهم على أن المرأة لا تؤم الرجال" تعميم لا يصلح، وتجاهل لقول الإمام أحمد وغيره في هذا الباب.
لقد تمنيت لو أن خصوم الترابي تحدثوا في هذا الأمر بلغة فقهية مثل لغة ابن رشد إذ يقول: "وشذ أبو ثور والطبري، فأجازا إمامتها على الإطلاق". فلم لا نقول: "شذ الترابي فقال بإمامتها على الإطلاق"، بديلا عن لغة التكفير والتشهير؟!؟ فليس من علماء الإسلام المعتبَرين إلا وله أقوال شاذة وغرائب، والشذوذ يسمى شذوذا ولا يسمى كفرا أو فسوقا. وكم من رأي فقهي كان شاذا في عصر ثم تلقاه الناس بالقبول في عصر آخر، فابن تيمية رحمه الله لقي عنَتا كثيرا من علماء عصره والعصور الخالفة من بعدهم، لقوله بعدم إيقاع الطلاق ثلاثا في لفظ واحد، لكن أغلب الفقهاء اليوم يقولون بقوله هذا.
وبالطبع فإن مستند الترابي في قوله بإمامة المرأة، هو ذاته مستند أبي ثور والطبري والمزني ممن قالوا بإمامة المرأة الرجال في الفرائض، ومستند الإمام أحمد في قوله بإمامتها في التراويح، وهو حديث أم ورقة رضي الله عنها أنها "كانت قد جمعت القرآن، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أمرها أن تؤم أهل دارها، وكان لها مؤذن، وكانت تؤم أهل دارها"[34]وفي رواية: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها في بيتها، وجعل لها مؤذنا يؤذن لها، وأمرها أن تؤم أهل دارها"[35] وفي رواية ثالثة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "انطلقوا بنا نزور الشهيدة. وأذِن لها أن يُؤذَّن لها، وأنتؤم أهل دارها في الفريضة، وكانت قد جمعت القرآن"[36].
وقد تضمن حديث أم ورقة تعيين مؤذن لها مما يرجح صلاة رجل واحد على الأقل خلفها.. كما أن رواية ابن خزيمة تتحدث عن كونها " تؤم أهل دارها في الفريضة" وهو ما ينفي حصر إمامة المرأة الرجال في النوافل أو التراويح فقط.
فالذي أراه في هذا الأمر -والله أعلم بالصواب- أن إمامة المرأة الرجال في صلاة الفريضة بالمساجد لا تجوز قطعا، إذ الأصل في الشعائر التوقف، ولم يرد نص بإمامة المرأة الرجال في الفريضة بالمسجد، فيجب القول بتحريمه رغم أنف القائلين بالإطلاق، مثل أبي ثور والطبري والترابي.. وكل ما سوى ذلك -مثل إمامتها أهل بيتها رجالا ونساء في الفريضة، وإمامتها غير أهل بيتها من الأميين وهي قارئة في النوافل والتراويح- فهو من موارد الاجتهاد التي لا ينبغي التحريج فيها، فضلا عن التكفير والتشهير..
وقد بين الفقهاء القائلون بإمامة المرأة الرجال أنها إذا أمتهم فلا تكون أمامهم، بل خلفهم أو محاذية لهم، بل حتى لو أمت المرأة النساء فإنما تقف وسطهن لا أمامهن. وهذا الذي يدل عليه فعل أمهات المؤمنين رضي الله عنهن: ففي الحديث أن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما أمَّتا نساء فقامت أوسطهن[37].
وقد احتجت "الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة في السودان" على الترابي بضعف حديث أم ورقة، وهو احتجاج في غير محله. فقد حسن الألباني هذا الحديث كما رأينا، واعتبره ابن القيم مثالا على "السنة الصحيحة الصريحة المحكمة في استحباب صلاة النساء جماعة لا منفردات"[38]. كما احتج مفتي المملكة العربية السعودية على الترابي بحديث "ألا لا تؤمَّنَّ امرأة رجلا"، وهو احتجاج غريب منه، لأن جمعا من جهابذة علم الحديث صرحوا بضعف هذا الحديث، منهم البيهقي[39] والنووي[40] والمزي[41] والذهبي[42] وابن الملقن[43] وابن القيم[44] وابن كثير[45] وابن حجر[46] والشوكاني[47] والألباني[48]... وآخرون غيرهم.
قتل المرتد وقتاله
مثال آخر من مسائل هذا القسم من المآخذ التي أُخذت على الترابي، هو رفضه قتل المرتد. ومن حق الترابي أن يجتهد في موضوع عقوبة القتل على الردة، وله في ذلك مستند من آيات القرآن الكريم، ومن الآثار عن الصحابة والتابعين. فقد أجمع الصحابة على قتل المرتد المحارب، كما هو واضح من حروب الردة التي قادها الصديق ضد المرتدين عن الإسلام الخارجين على سلطة الخلافة الراشدة. أما المرتد غير المحارب، فقد صح عن بعض الصحابة منهم أبو موسى الأشعري ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما ما يفيد قتل المرتد المسالم. ففي البخاري:"... زار معاذ أبا موسى، فإذا رجل مُوثَق، فقال: ما هذا؟ فقال أبو موسى: يهودي أسلمثمارتد، فقال معاذ: لأضربن عنقه"[49].
وفي المقابل صح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما يفيد عدم قتل المرتد المسالم، وهو واضح من قول عمر عن رهط من بني بكر بن وائل ارتدوا والتحقوا بالمشركين وقتلهم المسلمون في المعركة: "لأن أكون أخذتهم سِلْما كان أحب إليَّ مما على وجه الأرض من صفراء أو بيضاء، قال:[أنس بن مالك]فقلت: وما كان سبيلهم لو أخذتَهم سلما؟ قال [عمر]: كنت أعرض عليهم الباب الذي خرجوا منه، فإن أبوا استودعتهم السجن"[50]..والسؤال هنا هو: هل من الوارد أن يتأسف عمر على قتل مرتدين لو كان يؤمن بأن قتل المرتد حد من حدود الله؟ وهل سيتحدث عن إيداعهم السجن لو كان يؤمن بأن حد الردة القتل وهو من هو في الشدة والصرامة في الحق؟!؟ وهل يدرك المسارعون إلى المناداة بإهدار دم المرتد مغزى قول عمر: "لأن أكون أخذتهم سلما كان أحب إليَّ مما على وجه الأرض من صفراء أو بيضاء"؟!؟
فإذا أضفنا إلى ذلك أن اثنين من أعلام التابعين هما الثوري والنخعي أنكرا حد الردة وقالا بالاستتابة أبدا.. وأن بعض علماء الأحناف لا يرون قتل المرأة بالردة لأنها ليست محاربة.. ترجح لدينا ما يقول به الترابي وغيره من المعاصرين من التمييز بين الردة الفكرية، والردة السياسية-العسكرية، فالأولى لا عقوبة عليها في القانون الجنائي الإسلامي، والثانية لها عقوبة تعزيرية تترواح ما بين القتل والسجن وغير ذلك مما تقدره السلطة الشرعية العادلة. وعلة العقوبة هنا تفريق صف الجماعة والخروج على نظامها الشرعي، فهي عقوبة على الجريمة المصاحبة لتغيير الدين لا على تغيير الدين. أما تغيير الدين فعقوبته عقوبة أخروية عند الله تعالى، وهي أغلظ من أي عقوبة دنيوية يتخليها البشر. ومما يرجح التمييز بين الردة الفكرية والردة السياسية-العسكرية أن لفظ الردة في عهد النبوة كان يستخدم استخداما واسعا لا يقتصر على معناها الاعتقادي الذي شاع في كتب الفقه فيما بعد، ومن ذلك: "قال رجل أما سلمة فقد ارتدعن هجرته"[51].
والتمييز بين قتال المرتد المحارب وقتل المرتد المسالم ليس بجديد، فقد عزاه ابن حزم إلى طائفة من أهل العلم، وشرحه بموضوعية فقال: "ومنهم من قال بالاستتابة أبدا وإيداع السجن فقط، كما قد صح عن عمر مما قد أوردنا قبل. ووجوب القتال هو حكم آخر غير وجوب القتل بعد القدرة, فان قتال من بغى على المسلم, أو منع حقا قِبَله وحارب دونه، فرض واجب بلا خلاف، ولا حجة في قتال أبي بكر رضي الله عنه أهل الردة, لأنه حق بلا شك, ولم نخالفكم في هذا, ولا يصح أصلا عن أبي بكر أنه ظفر بمرتد عن الإسلام غير ممتنع باستتابة فتاب فتركه, أو لم يتب فقتله، هذا ما لا يجدونه"[52].
وغاية ما يقال في موضوع قتل المرتد المسالم أن فيه تعارضا لظواهر النصوص، وتباينا في فعل الصحابة رضي الله عنهم، فالذين يتمسكون به من العلماء مستمسكون بظواهر أحاديث صحيحة تأمر بقتل المرتد، مثل قوله صلى الله عليه عليه وسلم: "من بدل دينه فاقتلوه"[53]والذين يرفضون قتل المرتد مستمسكون بظواهر آيات محكمات تنهى عن الإكراه في الدين، ومنها قوله تعالى: "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي"[54]وقوله تعالى: "ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين"[55]. أما القول بأن الإكراه المنهي عنه في الآية محصور في الإكراه على دخول الدين ابتداء، وأن الإكراه على الرجوع إلى الدين تحت طائلة السيف غير داخل في عموم الآية.. فهذا تكلف بارد، خصوصا وأن الآية وردت بصيغة من أقوى صيغ العموم في اللغة العربية وهي النكرة في سياق النفي والنهي: "لا إكراه".
وأما قول ابن حزم: "لم يختلف مسلمان في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقبل من الوثنيين من العرب إلا الاسلام أو السيف الى أن مات عليه السلام فهو إكراه في الدين"[56] فهذا تعميم بعيد عن الدقة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قبل الجزية من مجوس هجر، وهم عرب وثنيون يعبدون النار. كما وادع النبي صلى الله عليه وسلم قبائل عربية كثيرة، وتوفي صلى الله عليه وسلم وبعضها لمَّا يدخل الإسلام بعد[57].
فإذا كان للمتمسك بأحديث آحاد ظنية الورود والدلالة في موضوع الردة عذرُه الشرعي وثوابه على اجتهاده، فالمتمسك بنصوص القرآن المحكمة أوْلى بالعذر وأحق بالأجر. وإذا كان لنا أن نستسيغ تأويل الآيات المحكمات لتتوافق مع أحاديث الآحاد، أفليس الأوْلى أن نستسيغ تأويل أحاديث الآحاد لتتواءم مع نصوص الآيات؟ لقد تمسك الترابي –ومثله في ذلك كثيرون- بمنطوق الآيات الناهية عن الإكراه في الدين، فقال: "من ارتد عن دينه فلا إكراه في الدين، ولا استتابة أو عقوبة بالسلطان، وإنما التكليف على المؤمنين أن يلاحقوا المرتد بالدعوة والمجادلة، حتى يتوب ويستقر أشد إيمانا، ويخلص صدقا لا مراءاة وخوفا من العقاب العاجل"[58]. وتأولوا الأحاديث الواردة في ذلك بأن المقصود بها فقط الردة الحربية.
ويبقى للقاضي المسلم النزيه أن يوازن هذا الخلاف في عقوبة الردة، ويعتبره شبهة كافية لدرء العقوبة كما يراه الترابي ونؤيده فيه، أو يلغي الخلاف ويتمسك بالنظرة الفقهية السائدة دون تدقيق.
تنصيف شهادة المرأة
ومن مسائل هذا الباب تسوية الترابي بين شهادة الرجل وشهادة المرأة مطلق،خلافا لما يدل عليهظاهر آية الدَّين في سورة البقرة من التمييز بين شهادتيْهما في المال: "واستشهدوا شهيدين من رجالكم، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء، أن تضل إحداهما فتُذكِّر إحداهما الأخرى"[59]. لكن وضع الآية ضمن سياق أعمَّ يظهر أن الأمر من موارد الاجتهاد. فالقول بأن تنصيف الشهادة حكم مُعلَّل بظروف الزمان والمكان في عصر النبوة، يوم كانت المرأة عديمة الخبرة في عالم التجارة والمال قولٌ وجيه.
وقد نقل ابن القيم عن شيخه ابن تيمية كلاما يميل فيه إلى هذا التعليل، إذ قال: إن"استشهاد امرأتين مكان رجل واحد إنما هو لإذكار إحداهما للأخرى إذا ضلت، وهذاإنما يكون فيما فيه الضلال فى العادة، وهو النسيان وعدم الضبط.. فما كان منالشهادات لا يُخافُ فيه الضلال فى العادة لم تكن فيه على نصف الرجل"[60]. صحيح أن ابن تيمية لم يسوِّ شهادة المرأة بشهادة الرجل في الأموال فيما نعلم عنه، لكنه فتح الباب للاجتهاد في ذلك إن دعت لذلك مصلحة أو اقتضته ظروف الزمان المتبدلة، إذ يقضي كلامه هنا أن زوال الخوف من النسيان وعدم الضبط -كما هو الحال في شهادة امرأة خبيرة بالمحاسبة وإدارة الأعمال مثلا- يجعل شهادة المرأة تساوي شهادة الرجل أو تفوقها.
وقد رفض الإمام محمد عبده ما ذهب إليه أكثر المفسرين الأقدمين من القول بالنقص في خِلقة المرأة ذهنيا وعاطفيا، وأن ذلك هو السبب في تنصيف شهادتها، فقال: "تكلم المفسرون فى هذا، وجعلوا سببه المزاج، فقالوا: إن مزاج المرأة يعتريه البرد فيتبعه النسيان، وهذا غير متحقق، والسبب الصحيح أن المرأة ليس من شأنها الاشتغال بالمعاملات المالية ونحوها من المعاوضات"[61]. فالشيخ عبده ربط الحكم بالظروف الاجتماعية المتغيرة، ولم يجعل علته أبدية.
والذي يتتبع أبواب الشهادة في الفقه الإسلامي باستقراءٍ متوسِّعٍ، يجد أن مدار الأمر كله على حفظ الحقوق، وآية ذلك عدالة الشهود وخبرتهم، دون اعتبار لذكورة أو أنوثة. لاحظْ مثلا قبول شهادة الصبيان فيما يقع بينهم من جراح في المذهب المالكي، رغم أن الأصل رفض شهادة الصبي. ولاحظ قبول شهادة القابلة في قضية استهلال الوليد الدالة على ولادته حيا، حتى قال الإمام أبو حنيفة فيما نقله عنه ابن القيم: "تجوز شهادة القابلة وحدها، وإن كانت يهودية أو نصرانية"[62].
وقد سوَّى القرآن الكريم بين شهادة الرجل والمرأة في اللعان، فطالب أن يشهد كل منهما خمس شهادات تثبت صدقه وكذب خصمه، ولم يجعل على المرأة ضعف ما على الرجل من شهادات، ولا جعل شهادتها نصف شهادة الرجل. فتخصيص المال بتنصيف الشهادة في القرآن الكريم إذن مما قد يكون معللا. كما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بشهادة المرضعة الواحدة: "عن عقبة بن الحارث: أنه تزوج ابنة لأبي إهاب بن عزيز، فأتته امرأة فقالت: إني قد أرضعت عقبة والتي تزوج، فقال لها عقبة: ما أعلم أنك أرضعتني، ولا أخبرتني، فركب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فسأله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف وقد قيل. ففارقها عقبة، ونكحت زوجا غيره"[63]. وقد علق ابن القيم على هذا الحديث بالقول: "ففي هذا قبول شهادة المرأة الواحدة وإن كانت أمَة"[64].
وقد تواتر قبول علماء الحديث رواية المرأة الواحدة للحديث النبوي، سواء بسواء مع الرجل. وما من ريب أن الشهادة على النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (كذا) أهم وأعمق أثرا على الملة والأمة من الشهادة على أن فلانا استدان من فلان بضعة دراهم أو دنانير.
فما ذهب إليه الترابي من أن تنصيف شهادة المرأة في آية الدَّين حكم معلَّل بعدم خبرة النساء حينها بالتجارة والتوثيق، وأنه يزول بزوال علته حينما يتعلم النساء ويتمرسن بالتجارة قول وجيه واجتهاد مُعتَبر، وليس هو مما يُنكَر. وكم من حكم معلل غير هذا في الكتاب والسنة زال بزوال علته، مثل أمر القرآن الكريم للمسلمين بإعداد الخيل لمواجهة عدوهم لما كانت الحرب على ظهور الخيل هي السائدة، وقد زال الحكم وأصبح إعداد الصناعات الحربية الحديثة هو المطلوب. ومنها أحكام كثيرة في باب الرق والحرب زالت بزوال موضوعها.
فلا أحد من علماء الإسلام اليوم يقول بأن أسرى الحروب يمكن استرقاقهم وبيعهم، واستحلال نسائهم سبايا، وغير ذلك من تقاليد الحروب القديمة التي كانت سائدة قبل الإسلام وفي صدر الإسلام. وإنما يتفق الجميع على أن تلك الأمور محدودة بحدود زمانها. فليس في القول بزوال الحكم بزوال علته نقض للنص الشرعي ولا خروج عليه، لأن الذي تغير هو موضوع الحكم وواقع الحال، وليس الحكم الشرعي ذاته. ومثل هذا النوع من الاجتهاد هو اجتهاد في النص، وليس اجتهادا في محل النص.
زواج المسلمة من الكتابي
ولعل المسألة الوحيدة التي أغرب فيها الترابي جدا هي قوله بزواج المسلمة من الكتابي ابتداء. وهو هنا يتعلق بأدلة نفي أكثر من تعلقه بأدلة إثبات، ويرى أن آية سورة البقرة التي تحرم تزويج المشركين والزواج منهم: "ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنَّ... ولا تُنكحوا المشركين حتى يؤمنوا..."[65] لا تنطبق على أهل الكتاب، لأن القرآن الكريم لا يسمي أهل الكتاب "مشركين" في الغالب. كما يرى أن آية الممتحنة: "فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن"[66]من العام الذي أريد به الخصوص لأنها جاءت في سياق الحديث عن الكفار الوثنيين من أهل مكة، ولا يدخل أهل الكتاب في مدلولها.
ولم أجد للترابي مستندا قويا في هذه المسألة تبرر مخالفته الفهم المتعارف عليه بين أهل العلم في هذا الباب. بل لا أشك في خطئه في استدلاليْه كليهما: فتعلقه بالتمييز في الاصطلاح القرآني بين المشركين وأهل الكتاب، وبين الكفار وأهل الكتاب لا يسعفه هنا، لأنه تمييز اصطلاحي فقط، والأصل اشتراكهم في صفة الشرك والكفر كما يقرُّ الترابي بذلك. وكذلك اشتراكهم فيما يترتب على ذلك من أحكام، إلا ما دل الدليل على اختلافهما فيه، مثل زواج الرجل المسلم من المرأة الكتابية. وقصر "الكفار" في آية الممتحنة على كفار قريش أو غيرهم من غير أهل الكتاب ادعاء يحتاج إلى برهان، وهو يقتضي أن تكون "ال" في لفظ "الكفار" هنا عهدية لا استغراقية، ولا دليل على ذلك من اللغة حسب ما أعلم.
ولا أعلم خلافا بين أهل العلم في تعميم قوله تعالى :"لا هن لهم ولا هم يحلون لهن" على جميع الكفار من وثنيين وأهل كتاب. وهو تعميم جدير أن يؤخذ به، خصوصا وأن الآية كررت التحريم مبالغة وتأكيدا. قال البيضاوي: "والتكرير للمطابقة والمبالغة، أو الأُولى لحصول الفُرقة والثانية للمنع عن الاستئناف"[67]. ومثله قول الألوسي: "قوله تعالى: (لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن)... تعليل للنهي عن رجْعهن إليهم. والجملة الأولى لبيان الفرقة الثابتة وتحقق زوال النكاح الأول، والثانية لبيان امتناع ما يُستأنَف ويُستقبَل من النكاح"[68]. ولم تعلل الآية التفريق باحتمال الاضطهاد والفتنة في الدين، رغم أنه احتمال شبه متحقق. وهذا ما يؤكد عموم الآية في كل الكفار، وثنيين وأهل كتاب، محاربين ومسالمين.
فمجمل القول هنا أن ظواهر القرآن تقضي بتحريم زواج المسلمة من الكافر عموما، والتمسك بظواهر النصوص حتى تدل القرائن على صرفها عنها أمر لا زم شرعا، دفعا للتسيب ومنعا للقول في دين الله بالأمزجة والأذواق. والذي أراه وجوب التمسك بظواهر هذه الآيات المانعة من زواج المسلمة من الكتابي ابتداء، حتى ولو اعتبرنا بقاءها مع الكتابي الذي تزوجته قبل إسلامها من موارد الاجتهاد، لأنه ورد عن عمر وعلي رضي الله عنهما، وبه يقول الشيخ القرضاوي الآن، عملا بأنه "يغتفر انتهاء ما لا يغتفر ابتداء".
ولست أشك في أن الترابي مخطئ خطأ جسيما في فهم آية الممتحنة، وهو خطأ تترتب عليه أمور جسام لها صلة بالأسرة المسلمة، وتربية النشء على الإسلام. لكن تبقى هذه الفروع فروعا، فمخالفة الفقيه الفقهاء السابقين في فرع من الفروع، تأولا منه للنصوص، لا يخرجه من ربقة الإسلام، بل لا يجعله مذنبا وهو يقول ما يدين الله تعالى به مما أدى إليه جهده واجتهاده، بل يبقى مجتهدا مأجورا في حال الخطإ والصواب كليهما. وأغلب ما نظن أنه مخالف للإجماع ليس فيه إجماع أصلا، وإنما نحن نجهل الأقوال المخالفة فيه. وقد قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: "سمعت أبي يقول: من ادعى الإجماع فهو كاذب، لعل الناس اختلفوا ما يدريه ولم ينته إليه، فليقل لا نعلم الناس اختلفوا"[69]. وهذا كلام أهل التحقيق والتدقيق، أما أهل التعميم والتهويل فلا يترددون في نقل الإجماع فيما لم يعلموا فيه مخالفا، فيضيقون واسعا من دين الله.
أما محاولة الترابي تبرير زواج المسلمة من الكتابيّ بالمصلحة في قوله: "علينا أن نترك للأقليات المسلمة التي تعيش مع الكتابيين، والذين تهمهم هذه القضية أن يقدِّروا الأمر حق قدره، وأن يزوجوا بناتهم للكتابيين، لعل هؤلاء البنات يأتين بالكتابيين من خلال العلاقة الزوجية إلى الإسلام"[70] فالوقائع لا تعضّده كذلك. ولأني أقمت ولا أزال أقيم في الولايات المتحدة منذ أعوام مديدة، فقد عرفت عن كثب ما يعرفه كل المسلمين في هذه البلاد من أن المصلحة تكمن في منع زواج المسلمة من الكتابي. فقد رأينا رجالا كتابيين كثرا دخلوا الإسلام بإقناع من نساء مسلمات عزيزات الأنفس، رفضن الزواج منهن من دون ذلك. وقد أسلم في مركزنا الإسلامي بولاية تكساس الأميركي