الشاة والذئب خلوا بينهما / محمد المختار ولد أحمين أعمر

جمعة, 2016-03-04 21:53

وهبني الله وطنا كالعريش، إذا رمي بجمر اشتعل، وإذا جاء المطر سال، وإذا هبت الريح سقط.  كل ذي مال فيه يفقر، وكل ذي جاه يدمر، وكل ذي بال يغيب.قدره أن يكون الحاكم قليل الكلام، شاحب الوجه، قاس القرار .من رآه هرب ومن خاطبه ارتجف ومن عصاه ندم، هكذا يرى المُنَجِّمَ الأمور وهكذا يدار البلد 

عكسا لما يتصوره الكثيرون من الساسة والمحللين. و عليه سيبدأ الحوار الجاد والفعلي من تلقاء نفسه في شهر مارس 2017 وهو العمر الافتراضي للمنتدى من منظور المُنَجِّمَ الذي يجزم أن خلال شهر يناير من تلك السنة وعلي أقصى تحديد سيلفظ آخر معارض أنفاسه .
وبما أن المعارضين حسب الكواكب التي يقلدها المُنَجِّمَ، لن يموتوا في آن واحد، هيأ ثلاجات ضخمة سماها بالترتيب: ثلاجة الموت السريري، وثلاجة الموت الرحيم، وثلاجة الموت بسبب الجوع . ثم خصص شهر فبراير من نفس السنة لمراسيم الدفن . ففي العشرية الأولي ستقام مراسيم الثلاجة الأولى والأصغر حجما وستحتوي علي الأرجح علي RFD، IRA، INAD و APP   وبعض مزارعي "شمامه" الكبار، إضافة إلي شركة SNIM و"ENER" ووكالة التضامن.
وفي العشرية الثانية ستقام مراسيم الثلاجة الثانية وستحتوي علي الأرجح علي حزب اتحاد قوى التقدم وحاتم و كافة أحزاب المنتدى باستثناء حزب التواصل إضافة إلي بعض أحزاب الأغلبية وبعض الشخصيات المرموقة .
وفي العشرية الأخيرة من شهر فبراير سيأتي دور الثلاجة الثالثة والأكبر حجما  وستحتوي علي الأرجح علي بعض سكان أحياء الترحيل و98% من الحراطين وعمال اسنيم والصيادين التقليديين، وعمال الميناء، وبعض سكان الولايات والمقاطعات وبلديات الداخل، إضافة إلي كافة المقاولين الصغار من غير المحيط المباشر للمنَجِّم.
حينها سيظهر نجم كبير في السماء الأولي وسيضيء أرجاء العاصمة وستسمع الناس مناديا ينادي : يامعشر الناس لقد فقدنا أفلاذ أكبادنا ولم نظلم أحدا لكن الموت السريري أفضل من الموت بالرصاص والموت الرحيم أفضل من انتظار العذاب والموت جوعا أفضل بكثير من الموت جوعا وعطشا، ومهما يكن من أمر فان الذين ماتوا قد ساهموا في تنمية البلد لان المسنين من بينهم أتاحوا فرصة لتجديد الطبقة السياسية ; و الفقراء بيضا وسودا قد ساهموا في تخفيض الضغط علي ميزانية الدولة أما المؤسسات فقد أوصى العمال بدفنها معهم كي لا تكون شاهدا علي أمم قد خلت .

لن تتمكن ساكنة العاصمة من تحديد مصدر الصوت ولن يرى احد شكل المتحدث وسيصعد النجم المضيء إلي السماء السابعة ليبقى الجميع في ظلام دامس. وبعد هذا الخطاب الفضائي المثير، سيترحم من بقي حيا، على أرواح الشهداء باستثناء   RFD و IRAو INAD  وسيبتسم المُنَجِّمَ تعبيرا عن ارتياحه لينام بعد ذلك طيلة أسبوع في صحراء لا يسمع فيها ضجيجا ولا غوغاء لا يقطنها مسن ولا حرطاني ولا عامل ولا فقير إلي غاية الثامن من مارس الذي يصادف عيد المرأة. وفي ليلته بالذات سيهبط النجم من صحراء السماء السابعة إلي الأولى، وسيعم الضوء أرجاء الوطن إيذانا بمقدمه وابتهاجا بذلك العيد الخالي من المسنين والفقراء والحراطين والأحزاب المشاغبة والمؤسسات الوهمية والمقاولون جميعهم .
وفي الصباح الباكر سيظهر مرسوم ينظم الاحتفالية المخلدة للذكرى وقاعة الاجتماع وسينص هذا المرسوم علي ترتيب الصفوف داخل القاعة حسب أهمية المدعوين ورمزيتهم وسيمنح الصف الأول اللنساء والثاني كاملا لوزير المالية والاقتصاد وعمدة ازويرات ومدير الوثائق المؤمنة ومدير اسنيم (الناجي الوحيد من الثلاجة الاولي).
ثم الصِّبْيَة تليهم القيادات الأمنية والعسكرية، يلي هؤلاء صفا كاملا للسيدة الاولى و"كمبه با" والوزير الاول، خلفهم مباشرة الجمهور وأعضاء الحكومة، والحزب الحاكم وحزب الفضيلة في الصف الأخير .
عندئذ ستهتز القاعة صعودا وهبوطا وفجأة سيظهر المُنَجِّمَ علي المنبر وبيده ملف اسود وسيستهل الخطاب بقوله : أنا أمامكم، والحكومة وأحزاب الأغلبية ورائكم، فأين المفر ؟...... أيتها النسوة السيد وزير المالية والاقتصاد، ها نحن اليوم نتوج مرحلة حاسمة من تاريخ البلد ووفاء للعهود واحتراما للبرنامج الانتخابي يمكننا القول وبملئ أفواهنا : لقد أنجز حرٌّ ما وعدَ .
ففي المجال الاقتصادي تخلصنا من بعض المؤسسات وعمالها ودفنّا)2.000.000( من المعارضين و 1.000.000)   (من الموالين عبر إستراتيجية محكمة  توائم مصادرنا مع حجم السكان .
فلدينا الآن 82.000 موظفا لدى الوظيفة العمومية من أصل 500.000 نسمة بدلا من 3.500.000 نسمة    ولدينا 1.200 حانوت أمل لصالح 500.000 نسمة فقط بدلا من 3.500.000 نسمة   ثم رفعنا اليد عن مزارعي الأرز بـ"شمامَه" وضاعفنا الضرائب علي الأرز الأجنبي فربحنا مبالغ كانت تصرف علي هؤلاء وحققنا دخلا معتبرا من أولئك .وبالاضافة الي هذا قمنا بثورة بركانية في مجال الصحة والتعليم والبنى التحتية حتى أصبح لدينا فائض من المدارس وقررنا بيع بعضها فى النهاية. و اصبح دخل المستشفيات والمستوصفات يوازي دخل امن الطرق.
اما الطرق فحدث ولاحرج الى درجة ان الدولة بدأت تتخلي عن بعضهم نظرا لعدم الحاجة فيه. وهنا نحن في غنى عن ذكر ما تم إنجازه في مجال الماء والكهرباء والسمك المجاني والنقل وخاصة نقل الطلاب والطالبات .
وفي المجال الأمني فقد بنينا جيشا قويا  يحمي الحدود ويدافع عن الحوزة الترابية ويعود الفضل في ذلك الى عبقريتنا ودقتنا في التنظير و التخطيط ومن هذا المنبر لا يفوتني الا ان اتوجه بالشكر الي نساء الطينطان والمملكة العربية السعودية  اللواتي لولاهن لما حصلنا علي مبلغ 50 مليون دولار اشترينا بنصفها معدات وسيارات وتجهيزات متطورة شاهدها البعض بمناسبة عيد الاستقلال وهو المبلغ الذي اقتطعنا منه الأتعاب والإكراميات.
وكان مصدر ارتياح للقادة الكبار .ولم ندرج هذا المبلغ في الميزانية آنذاك خوفا من المشاغبين من أمثال ولد بدر الدين ويعقوب ولد أمين و"خدجاتا مالك جالو" واخرون .وتجدر الاشارة الي ان الجيش وحده لايكفي لحماية حدودنا الطويلة ومساحاتنا الشاسعة، لكن لتعزيز أمننا الداخلي والخارجي أقمنا تفاهمات مع  الحركات المتطرفة قوامها  (لا تُجَلِّبُوا عَلَيْنَا ولن نُجَلِّبَ عليكم مادمنا في الحكم) وقد عززنا تلك التفاهمات من خلال مدِّهم ببعض المعلومات الضرورية وبعض المؤن من حين لآخر .
لكن ليكن في كريم علمكن أيتها النسوة  أنه بمقدور داعش وجبهة النصرة ونظام القاعدة التسلل في أي وقت تحت خشب الماليين أو طماطم المغاربة أو سكر السنغال، أو عبر المحيط، لأن دولتنا عريش، إذا رميت بجمر اشتعلت، وإذا جاء المطر سالت ، وإذا هبت الريح سقطت، وبقاؤها مرهون ببقائنا في الحكم.
صفق الصف الأول من القاعة، وامتنع الآخرون لأن المُنَجِّمَ لم يخاطب الرجال.
وفي المجال الاجتماعي قلّصنا البطالة إلى أدنى حد لها حيث تناهز اليوم نسبة 0% لأن ميزانية الدولة ستوزع من الآن فصاعدا على 500 ألف نسمة فقط، بدلا من 3.500.000 نسمة، وسيكون دخل الفرد معتبرا مما يعني الرفاهية لكافة الأسر.
أما المديونية الخارجية التي بلغت 98% لا شك أنكم سمعتم بطائرات هبطت في الصحراء وزوارق تجوب المحيط، وفي كل مرة تسمعون عن المخدرات بجميع أصنافها؛ وهي المادة المحرمة دوليا، والممنوعة شرعا، ونحن مسلمون.
وللإستفادة من هذه المادة المهمة جدا قد صنفناها كالحديد فيه منافع للناس وبأس شديد، لكننا استشرنا من قابلناه في السماء السابعة، ونصحوا بإخراج بعضها من الحدود وجني أرباحها سرا، ثم حرق مادة الفارين أمام أعين الناس للابتعاد عن الشبهات.
وبواسطة هذه المادة - إن طبقنا الاستشارة - لن يكون هناك عجز في العملة الصعبة ولا مضايقة في المديونية، لكن شريطة بقائنا دون غيرنا في الحكم. والأهم من هذا وذاك أننا قضينا بواسطتها على الفقراء والطبقة الوسطى، وخلقنا مجتمعا بورجوازيا قادرا على حماية نفسه من اللصوص الذين نجوا جميعهم من الثلاجات الثلاث، ومن بين هؤلاء – طبعا – نسبة كبيرة من الحراطين الذين فضل بعضهم تلك الممارسة على الموت جوعا.
وفي المجال السياسي، قضينا على خصومنا وخلقنا طبقة سياسية جديدة لا تحترم أحدا ولا تقدر أحدا، ولا تعطي لأحد. كي تكون الإدارة في خدمة الجميع وتسخر موارد الدولة طبقا لحكامة رشيدة يابسة مجردة من الأخلاق، قابلة للمساءلة بعيدا عن االقيم لا يقيدها وازع  ولا عرف  للحيلولة دون الزبونية والمحسوبية.
أما في مجال الحريات، فقد ابتكرنا أسلوبا ذكيا يحفظ للصحافة حريتها ويمنح للحكومة حريتها ايضا دون قيود، وأسسنا ذلك الأسلوب على قاعدة ثابتة مصدرها: ‘’ قولوا ما شئتم وسنفعل ما نشاء ‘’. وفي اعتقادي - يقول المُنَجِّمَ - إن هذا النمط من الإعلام مربح للطرفين، لأن الكلاب ستنبح دون قيد، والقافلة ستسير دون توقف.
عند هذه العبارة الجارحة اهتزت القاعة وانشطر سقفها نصفين، وتساقط رجال عراة من السماء داخل المبنى، وبالضبط أمام المنصة، وكان زعيمهم يقول بصوت عال : لقد اكتشفناك أيها الذئب، وتابعناك في السماء السابعة، لقد خدعتنا لمّا جئتنا على هيئة إنسان وأنت ذئب في الأصل. لقد وجدنا الأدلة الدامغة على فضيحة "آكرا"، والسنوسي والخمسون مليون دولار، والمخدرات، وطائرة المخدرات التي طليت و انتمت إلى أسطول الجيش، واكتشفنا بعد ذلك صفقة المحروقات، وتازيازت واسنيم، وخفايا رصاصة اطولية وأموال منظمة الرحمة، والآن جئنا لننتقم ونتقدم بالشكوى أمام يدي الله.
فابتسم المُنَجِّمَ وسأل حرسه الشخصي: من هذا الرجل النحيف العاري والخشن؟ وماذا يحمل في يده؟ فأجابه الحارس: هذا أحمد ولد داداه ويحمل عصى. والذي يليه؟ ذلك ولد بدر الدين وبيده صخرة. والآخر؟ إنه اعلي ولد محمد فال وبيده خنجر. من ذلك العجوز الأسود الذي يبربر؟ ذلك مسعود ولد بلخير، وبيده اليمنى عصى واليسرى حجرا. وذلك الأسود الجسيم ؟ إنه بيجل ولد هميد. هل وضعوه معهم في الثلاجة أصلا؟ لا، لكنه سقط خلال مراسيم الدفن. من هو ذلك النصراني العاري؟ إنه ولد بوحبيني ويحمل الدستور في يده اليمنى، وقطعة قماش يظن أنها بذلة. "اتفوو!" من هو ذلك البدين القصير الأسود؟ ذلك بيرام ولد والداه ولد اعبيد، ويحمل سهما وسيفا وحجارة وعصى. من الذي يقف على الدبابة دون زي عسكري ولا مدني؟ ذلك صالح ولد حنن وبيده رأس فرس يرمز إلى فرسان التغيير.
حينها قال المُنَجِّمَ: هؤلاء قرروا انقلابا خامسا، لكنهم واهمون. فتعالت الأصوات وعم الضجيج، وفجأة قال المُنَجِّمَ: أيها الناس لم أكن أتصور يوما أن الموتى يبعثون قبل يوم القيامة، واشهدوا يا من حضر من الأغبياء، حكومة وشعبا وجيشا، أنني لم أخدع أحدا، فقد جئتكم جميعا وأنا على هيئة  ذئب، لكنني وجدتكم حينها قطيعا من الغنم، وما زلت إلى حد الآن على هيئتي، فإذا كان هناك من خلل فإنه من أبصاركم وتلك مسؤوليتكم. أما هؤلاء الغوغائيون العراة فقد كانوا بالفعل أيام مجيئي ماعزا من ماعز المدينة، وماعز المدينة لا يعرف الذئب ولا يخافه. واليوم تعالوا إلى كلمة سواء، واعلموا أن اليابس لا يضر اليابس، وأن أزمة الثقة بيننا قدر وكانت منذ النشأة الأولى؛ فإن شئتم عدلنا الدستور وكشفنا المستور، وأنا وأحمد ولد داداه ومسعود موافقون على تعديله، لأنهما سبق وأن طلبا مني ذلك سرا ورفضت. وإن شئتم أرجعنا الأمر إلى القطيع لأنه مصدر التشريع، وذلك من أجل تنظيم استفتاء يمدد عدد المأموريات ويشطب على حاجز العمر. وإن شئتم تركنا البلد في دوامة وستظل الغلبة للذئب. وإن شئتم عودوا إلى الشارع لكنكم هذه المرّة لن تمنحوا حق ماعز المدينة، لأن البلدية ستكون لكم بالمرصاد . تدخل جميل منصور وقال :
                      نحن أبناء اترارزة والحرب قد نزل        ولا خيار في الموت إذا حان الأجل.
فالتفت المُنَجِّمَ وقال: يا هذا  قد نجيناك من الثلاجات الثلاثة لأنك لست مواليا ولا معارضا أما الآن فستوضع في
حاوية حامية، وسيسند ملفك إلى الجنرال السيسي أنت وحزبك، وقل لزملائك الأموات أن ما جرى بيننا الآن يعتبر حوارا رسميا يفضي إلى: "اشرب ذا ول نرشمك". زغردت النسوة وغمز وزير المالية والاقتصاد الطبل، وبدأن ينشدن:
الشاة والذيب خلوا بينهمــــا                لا حائلا يحول بين الشاة والذيـــب.
الشاة تعلم أن الذيب يأكلهـــا                 والذئب يعلم ما في الشاة من طيب.