شكل مهرجان تكتل القوى الديمقراطية الذي احتضنته مؤخرا ساحة ابن عباس منعطفا جديدا في المشهد السياسي الموريتاني، نظرا لحجم الحضور والرسالة التي فهمت منه، بعد أن اعتقد الجميع أن أكبر أحزاب المعارضة الموريتانية دخل في بيات شتوي آخر جراء الانسحابات النوعية التي شهدها مؤخرا.
لكن حجم الحضور جاء خارج السياقات التقديرية لأجهزة الأمن ومستشاري السلطة لدرجة أن عددا من الدوائر المخزنية شرعت في قراءة الظروف التي اكتنفت تنظيم المهرجان كيف حقق التكتل هذا الزخم، وكيف ستتم مواجهة مهرجانات المعارضة مستقبلا، بما في ذلك المهرجان المزمع تنظيمه من طرف حزب تواصل في حاضرة مقاطعة الطينطان.
كما أن الحديث عن ردة فعل مرتقبة من حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الذي يحضر لمهرجان الرد المناسب، يعني أن معركة حرب الخنادق وسياسة ردات الفعل أصبحت في صالح المعارضة الموريتانية، بعد أن هيمنت عليها الأنظمة المتعاقبة، لأن الرأي العام تعود أن تصدر المعارضة بيانات تعبر فيها عن امتعاضها الشديد من ممارسات السلطة، ولاشك أن ذلك يعني ما يعنيه في المشهد الجيو سياسي الموريتاني، خاصة وأننا نتحدث هذه الأيام بشكل جاد عن حوار وطني وحل مرتقب للبرلمان بغرفتيه، وانتخابات سابقة لأوانها، من شأنها إن تمت في الظروف التي تسمح للمعارضة بالمشاركة، أن ترسم واقعا جديدا يترجم الحضور النوعي الذي شهده مهرجان التكتل.
متواطئون داخل النظام
حملت الأنباء هذا الصباح أن أجهزة الأمن أعدت تقارير تحدثت فيها عن وجود متواطئين داخل السلطة ساهموا في انجاح مهرجان التكتل ودعموه ماديا ومعنويا، فرضية لستُ صراحة من الذين سيتعاطفون معها في السياق الذي يراد لها أن تكون، لكي يدفع الثمن بعض الأطر الموسومين زورا بالمعارضة تعاطفا أو جهوية، لأننا حتى ولو افترضنا وجودهم في مراكز صنع القرار، فهل بإمكانهم التأثير على الرأي العام بهذا الحجم، بعد أن أصبح الإطار صفرا على اليمين، وعالة على المواطن العادي وبالكاد يحصل على قوت يومه.
لقد كان الأجدى بمستشاري السلطة وأجهزته الأمنية أن تركز على الأسباب الجوهرية التي دفعت مجموعة معتبرة من المواطنين لاختيار التخندق في صف المعارضة.. ويمكنني في هذا السياق أن أقول إن هناك أسبابا جوهرية يمكن حصرها في نقطتين، الوضع الاقتصادي الصعب، والحالة النفسية المعقدة جراء الاختناق المعيشي والأمني والسياسي، وعدم بروز نقطة ضوء في آخر النفق هي التي رفعت من سقف المعارضة في بورصة التخندق السياسي.
إذن الشعب في حاجة لحوار سياسي جامع ترفع عن تمهيداته الوصاية والشروط المسبقة، واتخاذ إجراءات فورية لخفض الأسعار خاصة "البنزين" لأن هذه المادة لاتهم فقط أصحاب السيارات كما قال وزير المالية في تبريره لابقاء سعر "المازوت" مرتفعا رغم انخفاضه في جميع بلدان العالم، لأن هذه المادة تتحكم حتى في سعر رغيفة الخبز، التي كان المفكر الروسي "ماكسيم كوركي" يعتقد في يوم من الأيام أنها "صديقة الفقراء".
محمد نعمه ولد عمر