البروفيسور محمد بن بريكه: الصوفية منهج في التربية وليست طريقة في العبادة

جمعة, 2016-02-19 13:37

وكالة لعصابه الإخبارية :

جاء البروفيسور محمد بن بريكه البوزيدي الحسني إلى موريتانيا ضيفا لحضور فعاليات الملتقى الدولي

الكبير والهام عن الطريقة القادرية البكائية في الذكري الخمسمائة لوفاة مؤسسها الشيخ سيدي أحمد البكاي الكنتي "بو دمعه"والبروفيسور بن بريكه هو أستاذ الدراسات العليا بجامعة الجزائر يدرّس مادة التصوف لطلبة الماجستير والدكتوراه ويشرف على أعمال علمية كثيرة تتعلق بهذا الموضوع، عضو الأكاديمية العلمية للتصوف والتراث بالقاهرة وعضو مؤسس للمركز العالمي لحوار الأديان بالدوحة وعضو الرابطة العالمية للتصوف بجاكرتا، وعضو مرشح لرئاسة المرصد العالمي للتصوف بالعراق، الذي سيؤسس قريبا، حيث دعي لهذا اللقب. له ثلاثون كتابا مطبوعا منها موسوعة الطرق الصوفية في 16 جزءا، حصل على تكريمات عديدة منها جائزة رئيس الجمهورية (الجزائرية) للبحث العلمي لسنة 2012 ومنها درع جامعة الدول العربية لأحسن باحث في التخصص وقد حصل عليه في أغسطس 2014.

 

وآخر ما صدر له كان ثلاثة أجزاء من عمل سماه "جمهرة الأعمال الصوفية" طبع منها لحد الآن خمسة كتب والباقي يتسلسل إلى 21 جزءا في هذه الجمهرة.

حضور النشاطات الدولي صار من نشاطاته شبه اليومية وكذلك الملتقيات الوطنية وكل ما يتعلق بالحياة الروحية.

يقول عن نفسه إنه رضع التصوف من أثداء والدته حيث نبت في عائلة كريمة المنبت شريفة المحتد تهتم بالحياة الصوفية وتتوارثها جيلا عن جيل. وقد وجد أن فضاءنا المغاربي كله ولله الحمد يعيش هذه المرجعية ويتبناها.

الشعب التقت البروفيسور محمد بن بريكه البوزيدي الحسني على هامش الملتقى وحاورته حول المؤتمر والصوفية ودور الطرق الصوفية المختلفة بما في ذلك الطريقة القادرية في إخماد الفتن التي تعصف بالعديد من بلدان العالم الإسلامي وخاصة في شمال وغرب افريقيا وكذلك محاربة الغلو والتطرف والتربية الروحية للنفس البشرية.

وهذا نص الحوار:

الشعب، كيف وجدتم موريتانيا؟ وما هو تقييمكم لهذا المؤتمر حول الطريقة القادرية البكائية؟

البروفيسور محمد بن بريكه: معذرة، فأنا لو تحدثت عن موريتانيا فكأنما أتحدث عن دولة غريبة علي، والواقع أن موريتانيا هي شقيق بلا حدود للجزائر ويدلك على ذلك مثلا سبدي أحمد البكاي الذي توفي منذ خمسة قرون وهو دفين ولاته والتي تبعد من هنا 1300 كلم.

الجزائريون بعد مكة والمدينة يتوجهون إلى ولاته لزيارة سيدي أحمد البكاي رضي الله عنه والموريتانيون يزورون زوايا كنته بأقصى الجنوب الجزائري، وبالتالي لا وجود لحدود، وكما قال العارف: " أنت أنا فمن أنا ؟".

موريتانيا هي جزء من كياني وفي قلبي مشاعر كثيرة تتجاذبني نحو موريتانيا حيث أحس بأنني في أرضي وفي بلدي وبين أهلي و والله الذي لا إله إلا هو، أقسم عليها يمينا، ما أحسست لحظة واحدة أنني في بلد ثان بخلاف زيارات ربما نقوم بها إلى أماكن بعيدة تحس فيها بشيء من الغربة. أما موريتانيا ملبسا ومأكلا ومشربا فهي نفس ما لدينا ورمال الصحراء الموريتانية هي نفس الرمال لدينا تتحرك بدون حدود وبدون جمارك، موريتانيا هي بلد الحب والوفاء والإنكسار وبلد حفظة القرآن وحفظة المتون وبلد الإخاء والصفاء الذي يستقبلك في كل لحظة وحين.

أما عن المؤتمر فهو مؤتمر غاية في الأهمية وهو ناجح من جلسته الأولى ومن يومه الأول وبكل المقاييس وسيتضح ذلك أكثر من خلال التوصيات الهامة التي ستصدر عنه، فضلا عن أنه شكّل قبلة لكل المتصوفة ولأبناء الطريقة القادرية البكائية بصفة خاصة. وقد أتاح هذا المؤتمر فرصة هامة للتلاقي بين وجوه علمية وصوفية بارزة في عالمنا الإسلامي وفي دول المنطقة.

الشعب: هناك أجيال جديدة لا تعرف الكثير عن الصوفية فكيف تعرفون هذه الأجيال المأخوذة بالعالم الرقمي والانترنت عن معرفة المدارس الصوفية العريقة والمتميزة، وحبذا لو حدثتمونا عن الطريقة القادرية نشأة وانتشارا ؟

البروفيسور محمد بن بريكه: التصوف باختصار وكما قال سيدنا الغزالي هو "خلق ومن زاد عليك في الخلق زاد عليك في التصوف" فالخلق الكريم بدون النظر لا إلى لون ولا إلى جنس ولا إلى حرفة. ومن كان على خلق فهو صوفي وقريب من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتأسى به في خلقه الكريم وهو القائل: " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".

وقد قال بعض العارفين في تعريف الصوفي: " الصوفي هو من لبس الصوف على الصفا وأطعم البطن إطعام الجفا وترك الدنيا خلف القفا وسلك سبيل المصطفى" ولا يعني هذا أن نهجر الحرف والعمل والأشغال وإنما نخرجها من قلوبنا. هذا هو الصوفي، فإذا وجدت بائعا يبيع سمحا ويشتري سمحا أو وجدت إعلاميا يخاطبك بلطف ويستمع إليك وتستمع إليه، وإذا وجدت طالبا يجلس إليك في الجامعة ويتحلى بخلق حسن فأنت أمام صوفيين في هذه الأوضاع لأن المراد هو الخلق الكريم، فالتربية الروحية الصوفية تساعد على تكوين الفرد. والخلاف بين الإسلام السياسي والإسلام الصوفي خلاف يتمثل في نقطة واحدة، حيث يقول الإسلام السياسي اعطني منبرا (أي كرسيا في البرلمان أو الحكومة ونحوه) وأنا أغير المجتمع، بينما الصوفي يقول اعطني فردا أربيه تربية صالحة يصلح المجتمع. فواحد انطلق من الأرضية الأصلية التي انطلق منها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والآخر جاء من الأعلى يطلب أداة لتغيير المجتمع والفرق بينهما واضح.

بالنسبة للطريقة القادرية فهي أولى الطرق تأسيسا في تاريخ الإسلام، وهي ليست طريقة في العبادة وإنما هي اجتهاد في التربية، نتحدث اليوم عن مناهج التربية في علم النفس الاستبطاني وعلم نفس الطفل وعلم النفس المرأة إلى آخر ذلك، فهذه مناهج تتعلق بمراتب وأطوار معينة، نفس الشيء بالنسبة للتربية الروحية، تتحدث عن الطريقة الشاذلية أو القادرية أو البكائية القادرية أو الطريقة السنوسية أو النقشبندية وما إلى ذلك، فحين نتكلم عنها فإننا نتكلم عن منهج في التربية وليس طريقة في العبادة كما يروج لذلك كثير من دجاجلة الدين الذين حذرنا منهم نبينا صلى الله عليه وسلم.

الشعب: كصوفيين وكطرق صوفية في العالم الإسلامي تتبنى منهج التربية الروحية لبناء الشعوب والمجتمعات، كيف تقرأون واقع أمتنا وشعوبنا الإسلامية المؤلم اليوم من غلو واقتتال وتناحر وفرقة تسيل فيها دماء المسلمين ويقتل بعضهم بعضا؟

البوفيسور محمد بن بريكه: للأسف الشديد إذا نظرنا إلى الواقع الإسلامي وجدنا الكثير من الجراح في هذا الجسم الكبير الذي نسأل الله له العافية والمعافاة، جراح في العراق وجراح في اليمن وجراح في ليبيا ومصر وسوريا والجنوب التونسي وفي مالي وغيرها، كل هذه الجراح تجعلنا نقاسم اخواننا في كل مكان الدموع والأحزان ولكننا كحركة روحية نعيش بالأمل لأن القاعدة الصوفية تقول "بعد المحن المنَح"، فبعد هذه المحن لا شك أن الجسم الإسلامي سيتعافى ولكن يجب عليه أن يتعلم الدرس.

الحركة الصوفية بمختلف مشاربها لا تشارك ولم تشارك في سفك دماء المسلمين، نحن في الجزائر مثلا مرت بنا عشرية حمراء لم يتورط منتسب واحد إلى الزوايا والطرق الصوفية في سفك قطرة دم واحدة وهذا دليل على أن التربية الصوفية تخرّج الإنسان المسالم المحب الذي يتجاوز كل الخلافات بينه وبين بني الإنسان للتعاون الأمثل.

والحركة الصوفية مطالبة بمزيد من الجهد لبناء الإنسان وتطوير العلاقة مع الآخر ولتوجيه خطاب إلى الضفة الأخرى غير المسلمة بأننا نتعاون على الخير والوئام والسلام ولا يفسد الاختلاف في الدين أو في الأعراق للود قضية، وهذا داخل ضمن توصيات هذا المؤتمر الذي نشارك فيه، فكل بني الإنسان من آدم وآدم من تراب كما قال صلى الله عليه وسلم، .يتعاونون على ما يعتبر قواسم مشتركة بين الشعوب، مثل محاربة الأمراض ومحاربة الجهل والفقر ومحاربة الإلحاد، فهذه هي وظيفة الديانات السماوية جميعا والطرق الصوفية تؤدي دورا متميزا في هذا الجانب وهو ما يعرفه قادة النظام الجديد وقادة الدول وساسة الأمة العربية الإسلامية.

الشعب: أليست الطرق الصوفية المنتشرة على امتداد العالمي الإسلامي والأكثر قبولا على المستوى الشعبي مطالبة بأداء دور إيجابي في إخماد الفتن والنزاعات والحروب القائمة في البلاد الإسلامية وكيف يكون ذلك؟

البروفيسور محمد بن بريكه: نعم، يجب على الطرق الصوفية أن تلعب دورها المنوط بها في مثل هذه الظروف في ليبيا وفي مصر مثلا، نحن لا نقول بأن الطرق الصوفية هي التي تتولى الشؤون الإسلامية كلها، لا هذا خطأ، فهناك دور منوط برجل الاقتصاد، ودور منوط برجل الأمن ودور منوط برجل السياسة ودور منوط برجل التربية الروحية الذي هو أكثر الناس قبولا في الأوساط الاجتماعية والشعبية فدوره فعال جدا لكنه يتكامل ويتقاطع مع دور مختلف هذه الجهات.

صحيح، يجب أن تتصدر الطرق الصوفية لهذا المشهد حتى تقلل من الإصابات النفسية والروحية والجسدية وتقلص مسافة العداء بين أفراد الشعب الواحد وبين أبناء الشعوب الإسلامية قاطبة.

الآن وبالنسبة لمنطقة الساحل مثلا، هناك دور كبير جدا منوط بالطريقة القادرية وبالطريقة التيجانية خاصة، لأنها درع بشري يحصن الكثير من أبنائنا في دول الساحل من مخاطر الغلو والتطرف.

الشعب: هل لديكم إضافة أخرى؟

البوفيسور محمد بن بريكه: كلمتي الأخيرة في هذا اللقاء هي رسالة حب إلى الشعب الموريتاني الشقيق وإلى ساسة هذا الشعب الكريم، أن نواصل جميعا مد الأيدي إلى بعضنا البعض مع بقية شعوب المغرب الكبير ومع دول افريقيا الشقيقة من أجل إرساء دعائم الخير والحب والوئام والسلام، وأعتذر لهذا الشعب الكريم الذي أنزلني منزلة لا أستحقها يقينا ولكن عين الرضا عن كل عيب كليلة --- ولكن عين السخط تبدي المساويا

ويبدو أنهم استقبلوني هنا بحب، فستر الله عنهم الكثير من تقصيري ومن ذنوبي ومن عيوبي أيضا والتي لا يخلو منها بشر.

وأخيرا رسالة إلى جريدة الشعب أيضا مفادها أننا نتمنى لهذه الجريدة الموقرة دوام التوفيق والسداد والرشاد على دعم كلمة الخير وتبليغ كلمة الخير والوقوف اليومي مع المواطن من أجل الكلمة الهادفة البناءة إن شاء الله والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

أجرى الحوار: أحمد ولد مولاي امحمد

عن يومية الشعب بتاريخ 10 ابريل 2014 (بتصرف في المقدمة والعنوان)

- See more at: http://www.tawassoul.net/ar/%D9%85%D9%82%D8%A7%D8%A8%D9%84%D8%A7%D8%AA/i...

آخر تحديث ( الأحد, 14 فبراير 2016 18:09 )