أرض بلا إنسان ... ؟ / محمد محمود ولد الناه

اثنين, 2016-01-25 01:23

مصادر الإنتاج  الزراعي ثلاثة: الأرض، ورأس المال، والإنسان، نمتلك عامل الأرض ورأس المال ونفتقد الإنسان سواء كان أنسانا في موقع المسؤولية والتسيير،
أو مواطنا عاديا مزارعا كان أو مستثمر.

الإنسان في وطننا هو مكمن الخلل و التحدي الأبرز رغم امتلاكه موهبة فائقة في معرفة الأشياء إلا أنه يستغلها في الغالب في التحايل والكذب، فامتنا ألفت هذ السلوك وألفها.
لا نتحدث هنا كذب الإنسان الموريتاني في السياسة أو الإدارة أو التجارة ، قد يكون هذ هو أصل الكذب ومدرسته الأولي ، لكن النسخة الأحدث من فصول الكذب في وطني الكذب في الزراعة ،رغم كونها عملا ميدانيا وفنيا لا يحتمل  التسييس  فقد قمنا بترويضها لتناسب خصوصيتنا.
و يشكل هذ النوع  من الكذب اخطر و اكبر عوائق التنمية الوطنية فالحقيقة مصدر دائم للتنمية،
أما الكذب فمصدر أكيد للتخلف والفقر والجهل ومع ذالك يحتفظ شعبنا العظيم في أغلبه بالكذب ويعيشه رغم حفظه للقران والتزامه بالصوم والحج و الصلاة في المساجد.
ما اغرب امة أحفاد المرابطين ..............؟
الكذب في الزراعة كلف الدولة غير النامية عشرات المليارات وعشرات السنين الضائعة  ((شطب المديونية المثير للجدل والمقدرة ب 13ملياراوقية علي من تضرر ومن لم يتضرر من يقدر علي التسديد ومن لا يستطيع، إنفاق المليارات علي مصانع تقشير الأرز لتحسين جودتها ولم تتحسن تلك المصانع بل استمرت في التحايل رغم وجود لجان متابعة تشكل الإدارة جزء منها، تقدم هذه المصانع الإنتاج كما تشاء وتعلن الإدارة تقاريرها كما تهوي،
وفي معرض الأرز احتفالا بزيارة الرئيس تقدم للرئيس عينات ذات جودة نوعية مصطنعة لتضليله تناقض الواقع السيئ للمنتج، ويتم تحضير هذ المعرض بالتعاون بين الإدارة وملاك المصانع  وبتزكية المزارعين،
ثم يتم تسويق المنتج السنغالي علي انه منتج وطني ،ترخيص مئات التعاونيات الوهمية للتحايل علي مجانية الأسمدة الموجهة للتعاونيات القروية الفقيرة، منح التراخيص العبثية لمؤسسات البذور المتحايلة، الاستصلاح الزراعي غير الفني ، خصخصة الآليات الزراعية  لتغطية االفساد في اسنات، إذا الفساد والتحايل سلوك مشترك بين الإدارة والمزارع علي حد سواء))،
والأخطر من كل ذالك تنشئة الأجيال علي ثقافة أساسها التحايل ، ليختلط الحابل بالنابل، والغث بالسمين،

والملتزم الصادق باللص المتحايل، و الكادح المثابر بالمقصر المتلاعب،والخاسر بالرابح، والجد بالهزل، هذ الخلط متعمد لطمس الأشياء وقلب الحقائق ليزداد المتشكك شكا والمتردد ترددا،

والاهم في كل هذ النيل من عزيمة الوطني المؤمن  بالعمل والتضحية في سبيل العيش الكريم ، ليزداد هو الأخر إحباطا ويأسا وتمردا وليظل المناخ ملائما ليستمر الفساد ويسيطر الكذب في مراكز صنع القرار وطبقة المزارعين الموالية ،هذه هي وسيلة حفظ المناصب ونيل الترقية وان كلف ذالك تعطيل التنمية و إبعاد الحقيقة فالحقيقة ليست ضالتنا وتلك ماساتنا.

كيف لنا إذا أن لا نتجرأ علي الجهر بمساوئنا وماذا ننتظر.....؟

تعالوا بنا لنحفر ونفتش في تجربتنا  بعدها يمكننا أن نكتشف و نفهم الواقع ، وتذكروا دائما أن التحايل يحكمقبضته الفتاكة علي المجتمع مسئولين ومزارعين عادين وسبب قوة الكذب فينا انه  ثقافة معاشة ومحمية علي المستويين الشعبي والرسمي.

كيف تبدأ المشاريع الوطنية..........؟

تبدأ الأجسام عامة و المشاريع خاصة في سنن الحياة العادية صغيرة بفكرة  ،ثم تتجسد بشكل أصغر علي الأرض ثم تبدأ تنمو و تكبر شيئا فشيئا ليكتمل نموها وتحقق الأهداف المنشودة ، فمؤشر النجاح المألوف أن تبدأ الأشياء متواضعة ثم تكبر ، لا أن تبدأ كبيرة مكتملة ثم تنهار بسرعة فهذ مؤشر الفشل، وهذ بالضبط ما حدث مع القطاع الزراعي ،بدأنا بالإعلام  السياسي، كانت أحلامنا كبيرة و واعدة نتحدث عن تحقيق الاكتفاء الذاتي من الأرز لنكتشف لاحقا إننا كنا في أحلام اليقظة.

كانت البداية بمشروع دمج حملة الشهادات، ظهر كبيرا في الإعلام وخطب المسئولين.

و تلك عادتنا دائما: الإشادة والثناء قبل تحقيق الإنجاز وبلوغ الأهداف.

تحدث الرئيس عن أرباح بالملاين ، ولم يتطرقوا لحالات الخسارة المتكررة ، قال وزير الاقتصاد: أن الناس لم تعد ترغب في الوظيفة العمومية وأصبحت تريد بدل الوظيفة الدمج في الزراعة ، وبعد اقل من سنة بدا البعض يتسرب من المشروع  فلم يستلم هؤلاء  الأراضي المستصلحة كما وعدوا.

والحقيقة أن المشروع لم يحافظ علي النسبة الناجحة والمشجعة التي بدأ بها، كانت السنة الأولي أفضل من الموالية والموالية أكثر سوءا وهكذا مشكلا حالة هبوط.

لم يستوعب المشروع  ولم يستغل الطاقات الهائلة ل 185 مستفيدا تحتوي كافة التخصصات:   

(30% مهندسين زراعيين  فيما تتوزع 70% المتبقية بين مختلف المجالات :الاقتصاد، القانون ،المياه ،الجغرافيا ، الرياضيات ،الشريعة ......)،

لم توجد إدارة ذات صلاحيات حقيقة  لمعالجة مشاكل هؤلاء المتجددة وإيجاد الحلول لها، و لم تتح لهم فرصة التشاور لتقييم التجربة  رغم مطالبهم الملحة بضرورة تنظيم أيام تشاوريه حول الزراعة.

لقد ظل دور الإدارة  يرتكز علي تقديم الأرقام المشبوهة  وقمع الأصوات المنتقدة، وما كان لكل ذالك أن يقع لولا تواطؤ من بعض المستفيدين في مقايضة مكشوفة عنونها التحايل وان اختلفت ملامحه في الطرفين ، ليتوقف المشروع في النهاية بعد أن هجره الثلث بسبب الإعشاب الضارة و لتلتحق بهم البقية  فلا  تامين زراعي يحمي  المدينين المتضررين من الكوارث، توقف المشروع كما كان متوقعا وأصبحت عشرات العائلات في مهب الريح.

لقد وضعنا نقطة النهاية علي مشروع امتنا المحتاجة، امتنا الفقيرة والجائعة، و أصبح العيش الكريم شبه مستحيل في سهولنا الخصبة المتدفقة والممتدة من كرمسين إلي سيلبابي،

لا بديل أمام مئات الشباب غير الهجرة المرة والعيش المذل عمالا غير مرحب بهم  في المزارع الأجنبية  بعد أن ضاقت بهم أرضهم المستغلة بأقل من 15 %،

وقذفت بهم حكومتهم الغارقة في نزوات السلطة  نحو المجهول، فأمة لا تقدر طاقاتها  الشابة ولا تخطط  لاحتضانها ستنزف باستمرار، لا مستقبل لها وليست جديرة بالبقاء في عالم السرعة والعمل، قدرنا أن تظل منهوبين بفساد  أبنائنا وتائهين بتسيير قادتنا  لتبقي مواردنا  فريسة للانتهازيين و إلي أن يستفيق المصلحون وهم قلة من سباتهم العميق أو يقضي الله امرأ كان مفعولا.

اللهم إنا لا نسألك رد القضاء ولكننا نسألك اللطف فيه.