.jpg)
ينعقد هذا الأسبوع بإذن الله ،اجتماعا لقدماء الدعاة من جماعة الدعوة والتبليغ في مركز الدعوة الواقع بمقاطعة الرياض بنواكشوط الجنوبية ,هذا المؤتمر السنوي يحضره عادة ما يزيد على العشرة آلاف من الأحباب وتخرج منه مئات الجماعات إلى شتى انحاء العام بما فيها اوروبا و إفريقيا وآسيا وغيرها.
وتستقطب جماعة الدعوة والتبليغ العديد من المواطنين من كل الفئات والأعراق والاتجاهات والمشارب... ذلك أنها نجحت في تكوين بيئة لتزكية النفوس وإصلاح القلوب بعيدا عن التناقضات السياسية والاجتماعية وذلك بإخراج هؤلاء من بيئاتهم ومشاغلهم إلى بيئات المساجد حيث يحظون بدورات تربوية مكثفة ومتكررة تكرار الاشهر والسنوات وتكوينات ميدانية في فن وأساليب الدعوة الى الله والتمسك بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وتذكرة المسلمين.....الخ ,
ومن نتائج الخروج في سبيل الله جل وعلا أن يرجع الفرد بعد التزام بيئة المسجد لفترة وقد شعر بالنقص في العبادة والأخلاق والمعاملات والمعاشرات والتعلم ..كما تتولد لديه الحاجة للمزيد من تزكية نفسه وتهذيبها , فينشغل في تحصيل الصفات التي كانت في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل اليقين على الكلمة الطيبة لا إله إلا الله محمد رسول الله ,والصلاة في وقتها ذات الخشوع والخضوع ,والعلم المصحوب بذكر الله,وإكرام المسلمين ومحبّتهم في الله , وتصحيح النية وإخلاصها لله ,والدعوة الى الله والخروج في سبيل الله وبعد الخروج تتغيّر العواطف ويبدأ الفكر في إنقاذ البشرية وهدايتها ,خاصة تذكرة المسلمين ودعوتهم لإقامة الدين بإحياء جهد النبي صلى الله عليه وسلم وتحميلهم مسؤولية نشر دعوته صلى الله عليه وسلم كما فهم الصحابة رضي الله عنهم وفعلوا حين خرجوا مبلغين لدين الله ,وإنّ قبورهم المنتشرة في انحاء العالم لتشهد بذلك, و يعود الفرد من خروجه وهو يؤثره على غيره من الامور ,بل يعتبر الدعوة مقصد حياته , الشيء الذي يضحّي بكل شيء من أجله ـ نفسه وماله ووقته ولا يمكن ان يضحي به من أجل أي شيء ...وإن كان للمناوئين والمثبطين قصص تهدف الى تشويه دعوة الحق وإطفاء نور الله بأفواههم .
ولقد استفاد الكثيرون من هذه الدعوة الميمونة , خصوصا من لم يحظوا بتعليم "محظري" لأسباب لا داعي لنبشها .يدخل ذلك في باب أننا نحيي المعروف بذكره ونميت الباطل بهجره وهو نهج السلف الصالح . ويجب هنا أن ننوه بالدور المحوري الذي قام به الشيخ محمد ولد سيدي يحي في نشر الوعي الديني الذي جعل هؤلاء يشعرون بحاجتهم لتعلّم أمور دينهم بعد قرون من الجهل و التجهيل .وبفضل الله ثم بفضل جهود الدعاة المخلصين من كل الحركات وخاصة الشيخ الداعية المحبوب وأهل الدعوة والتبليغ , أصبحت المساجد تغصّ بالمصلين عكس ما كانت عليه في الثمانينات , إذ لم يكن يرتادها عدى شيوخ كبار,كما ترك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بصماته في الشوارع والمدارس وحافلات النقل العمومي...تحجبت بعض النساء وتاب كثير من الرجال وأصلحوا بل أصبحوا صالحين . اذكر هنا قصة أحد هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر, لقد عرفته في سبعينيات القرن الماضي عبدا مملوكا لإحدى الاسر التي تسكن في البادية المتاخمة لمدينتنا ,كان حينئذ مخنثا , لا يحظى بعناية ولا تربية ولم اكن اعرف له اسما , بل كنّا تلقّبه الراقص الصغير " عوضا عن اسمه الحقيقي .لم يكن قد دخل المدرسة مثل ما هو حال اقرانه من ابناء جلدته ,بل ظل وأمه العجوز يخدمان اسيادهما الى ان ضرب الجفاف اهل الريف ,فتفرّق جمعهم ونفقت مواشيهم وهرعوا الى كبريات المدن لاجئين, توحدهم الظروف ولو آنيا ,حينها لجأ صاحبي مع اسرته الى انواكشوط وتقطع بيننا الوصال وسار كل في دربه لردح من الزمن . وبعدما صرت موظفا لقيته ,فإذا به شاب ملتح وسيم وذو خلق مستقيم ,خاطبته بالاسم الذي أعرف , فتبسم قائلا :انا عبد السلام وأنت فلان بن فلان ,قد منّ الله علينا بالإسلام ثم اردف انه خرج مع الدعاة وتعلم وحفظ القرآن. فتعجبت وقلت في نفسي لقد صنع هؤلاء الدعاة من هذا الرجل ما لم تصنع المدرسة منا أبناء المدينة . واصل صاحبي مشوار ترقّيه في مدارج الدعوة. وقد لقيته مؤخرا بعدما هاجر الى إحدى المدن الشرقية , فإذا بي بحضرة داعية كبير, متزوج من امرأة صالحة وقد انجبت له ابناء وهو أمير جماعة من الدعاة الفاضلين .
إن أمثال عبد السلام ممن انقذتهم الدعوة وسمت بهم كثر إذا ما عدّوا,و مما تدل عليه القصة ان الطريق الى الحرية هو التدين الصحيح ولعلّ تألّق بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : بلال وسلمان وصهيب وسالم ...رضي الله عنهم لأوضح مثال يؤكد ان سبيل التحرر من براثين استغلال العباد للعباد هو العبودية لرب العباد، لقد رفعهم الله من درك العبودية الى مصاف الصحابة الكرام عندما استجابوا لله ولرسوله عليه افضل الصلاة والسلام .و كذلك بعض الموالي من التابعين.
لقد ظل واضحا مما سبق ان حلّ مشكل الاسترقاق في بلادنا يمرّ حتما بنشر الدين والتديّن الصحيح في أوساط الاسياد والأرقاء السابقين على حد سوى .
فكم من هؤلاء مات على كبر مذموم يمنع من دخول الجنة وكم من اؤلئك مات وهو لا يعرف الطهارة, اتذكر ان رجلا مسنا قال لجماعة زارته :كل ما ترونه من الاسر هي أسر أولادي وأحفادي, فقد تزوجت مبكرا لله الحمد ولم تترب عليّ جنابة قط، ظنا منه أن الجنابة لا تحصل إلا من الزنى وما أكثر امثاله .
فمن لهؤلاء وؤلئك يدعوهم الى الطريق الصحيح غير المسلمين امثالهم. ام نترك المجال مفتوحا للمنظمات التنصيرية لنشر دعوتها المسمومة.
إن أي جماعة لا تخلو من العيوب والأخطاء والنقد ، إلا أن الجماعة تعزف عن أمور الدنيا كالسياسة وغيرها ؛ و قد لوحظ في العام الماضي حضور البعض من أجل اكتساب وتجنيد بعض الشباب من الذين يسهل التغرير بهم عن طريق المغريات الزائلة والشعارات البرّاقة والعواطف الخدّاعة .
بقلم محمد مولود ولد محمد فال
