قبل يومين نوفمبر والاحتفالات المرافقة لعيد الاستقلال الوطني "28 نوفمبر"، وشهدنا الجدل الذي رافقها وسبقها ولاحقها حول الوطن ما قبل الاستقلال وما رافقه وما حدث بعد، هذا الجدل الدائر على شبكات التواصل الاجتماعي وخاصة فيس بوك جعلني أتغاضى عن نقاش المسلمة القائلة أننا في وطن، يسمى موريتانيا له حدوده وعلمه ودستوره وإقليمه ومواطنيه، لأتجاوز إلى المواطنة كمفهوم يجب مناقشته حتى نعرف حدود الجدل الذي ينبغي أن نناقش في إطاره اختلاف وجهات نظرنا.
فما هو مفهوم المواطنة؟ وماهو تأصيلها التاريخي؟ هل نستطيع أن نطبق مفهومها في مجتمعاتنا وكيف؟
إن مفهوم المواطنة يتمحور حول الانتماء التام للأرض والوطن والتعلق به ومحاولة الإيمان به كأصل ومصير لا محيد عنه ولا ملجأ منه إلا إليه. ولا شك أن هذا المفهوم ليس حديثا بل قديم يرجع إلى دهور مضت وقرون خلت. حيث كان للحضارتين اليونانية والرومانية دور في هذا بروز هذا المفهوم وتقنينه بل وتعميق وجوده على أرض الواقع. غير أن عصور الانحطاط والعصور الوسطى كانت فترة ازدهار لتراجع هذا الفكر واضمحلاله، الأمر الذي ساهم في بروزه بشكل أكثر نضوجا في بيئة أخرى وفي فترة زمنية لاحقة حيث كانت الولايات المتحدة هي الحاضنة لهذا الفكرة مع إعلان استقلالها عام 1786م ثم كانت الثورة الفرنسية عام 1789م المنطلق الوحيد لهذه الفكرة في القارة العجوز ومنها انطلقت الفكرة في ثوبها الجديد في العصور اللاحقة عبر روافد الاستعمار وحمله معه إلى حيث حط رحاله .
في بيئتنا نما مفهوم المواطنة مع بروز الدولة في بيئتنا التي لم تكن معينة على تجذره، وعلينا كجيل جديد من أجيال هذا الوطن أن نرسخ ونعلم أن لنا كمواطنينا دور يتعاظم مع تعاظم الأدوار المنوطة بنا والتحديات الجسام التي تحيط بنا. فكل ما تعاظم الخطب واشتدت المحنة كان حضور الكتاب والصحفيين والسياسيين أكثر إلحاحا ودورهم أكثر حيوية. وإن من أولى الأوليات التي يجب أن تنال حيزا لا بأس به من تفكيرنا هو رزع حب الوطن و قيم المواطنة في نفوس من لم ينالوا حظا من التعليم ولا نصيبا من التوعية .
هنا لزاما علينا أن نحضر بقوة في الميدان عن طريق ما أمكن من حملات تحسيسية ورحلات توعوية ومهرجانات خطابية ومؤتمرات شعبية ولقاءات جماهيرية تزور الناس خلال ظعنهم وتصلهم حال إقامتهم بغية شرح هذه المفاهيم وزرع نوع من الارتباط بالوطن كقيمة تستحق علينا أن نعيشها وجدانيا وشعوريا لنشعر بأهميته كحاضنة لا نكون إلا بها. وبالتالي يجب أن نكون من أجلها.
ويجب أن نكون قدوة حسنة للمشروع الذي نبشر به وأنموذجا يحتذى فلا يكون حظنا منه حظ مجرد حمل الفكرة. بل محاولة تعميمها وسقيها بماء الحديث الدائم عنها عبر الحضور في أحاديثنا من أجل تجسيدها وتجذير وجودها على أرض الواقع من أهم ما يؤسس لمرحلة لاحقة يتفيء الجميع فيها ظلال الوطن والوطنية الوارفة فلا حياة لمن لا وطنية ولا وطن له . والواقع أحسن شاهد والتاريخ خير من يوثق وأفضل من يحكم على الحاضر بكل تجلياته.
أستغرب كثيرا من غياب حديث كهذا عن أجندة الحكومة واللجان التي تشكل داخل الأحزاب السياسية الموالي منها والمعارض، ثم عن أجندة الحركات الشبابية والنقابية.
وحتى لا نستثني أحد يجب القول إنه لجمعيات المجتمع المدني دور محوري هام يجب أن تلعبه وتقوم به وتسخر وسائلها المتاحة مهما كانت ضعيفة ومواردها مهما كانت ضئيلة بل إمكانياتها مهما كانت هزيلة من أجلها، فالفكرة تستحق مزيدا من العمل من أجل تجسيدها على أرض الواقع.
والوطن لا يكون إلا بمواطنين يفهمون استحقاق حملهم لوثائق هذا الوطن ومستعدين لتقديم واجباتهم اتجاهه حين تحين اللحظة.