ماذا لو اختفى نوفمبر؟ / نبيلة الشيخ

سبت, 2015-11-21 14:41

موسم الهجرة إلى الوطن يأتي نوفمبر محملا بالشجن الذي تغلفه الطبيعة الصحراوية الجافة ،يأتي بعد شهور من غياب المشترك والتيه في برزخ من التجاذبات السياسية، يأتي ولاشيء يؤسس لمظلة نشترك فيها جميعا غير جيل يعيش قطيعة مع ماض وصله مشوها فاختار أن ينأى بنفسه عن كل ذلك ويبدأ سير رحلته من جديد...

نوفمبر لم يعد شهر الاستقلال بل أصبح شهر التخوين وتبادل التّهم أصبح شهرا به تنكأ الجروح ويرش عليها الملح ليأخذ الجرح عمقا يصعب دواؤه.

وعلى مفترقات الوجع الممتد طيلة خمسة وخمسين عاما ينتظرنا نوفمبر بلهفة على مدار كل عام يودعنا فيه بحزن الخيبة ، وقبل وصوله نحتفل بإزهاقه ونحاول جاهدين تغيير ملامحه تارة بتغيير النشيد وأخرى بتغيير العلم وبتذكية الخلافات العرقية والفكرية والسياسية والحزبية والقبلية.

 

تنافر يحاول نوفمبر في كل عام جمع شتاته وعبثا يحاول... فلا غطاء جامع ولا روح وطنية يمكن الإقتيات عليها على طول خط البحث عن وطن هو موجود لمن أراد علوا في الأرض أو أراد فسادا ... نوفمبر شهر لو أعطيناه حقه لتوحدت الألوان ولكان لنا فيه فسحة للروح من طواحين الهواء التي نحاربها على مدار رحلة استئثار بما لا يمكن الاستئثار به ...الوطن الذي خلق للجميع ... كل ما يحيط بهذا الشهر يدعو إلى الفرح صوت ديمي وهي تصدح بحنجرة النصر والشموخ والسؤدد "نختر عن كل أوطان وطني موريتان" قصائد العملاق أحمدو ولد عبد القادر وهو يجمع شتات الكلمات، كمن يجمع شتات وطن بزهو وفخر:

 

 هلّلي موريتاني ما ذاك إلاّ *** ومضة من سراجك المتلالي

 هلّلي يا بلاد ما نحن إلا *** قطرة من معينك السلسال

 

ولكابر هاشم بصمة في هذا الشهر تصاحب الأطفال في مدارسهم وتطبع في الذاكرة رائحة مكان وزمان من قوة ونصر نوفمبر أت من الليل فجرا به عبق من دم الشهداء، والحقيقة أننا للأسف نسير القضايا الكبرى كتسييرنا لتفاصيل معيشية تافهة، لا تحدد شكل هويتنا، ولا انتمائنا، تفاصيل عرضية تغتال هدأتنا، وترهقنا صعودا، وتستنزف قوانا بعجز ونهم، والحقيقة الأكثر عمقا وواقعية أن الأوطان لا يمكن أن تسير بالخلاف والقطيعة مع ما كان وبتر تاريخ من مقاومة ومحاولة البدء من الصفر عند كل مفترقات الخذلان وانحراف مسارات البناء والنهضة.

 

لا يمكن أن نحتفل باستقلال دون الركون إلى وطنية تعصمنا من التفرقة والسقوط في مستنقع الانقسامات المقيتة .. خارج مظلة الوطن، لا يمكن أن نحتفل بالاستقلال دون خطوط عريضة هي مناط الالتزام والقوة، وهي خارطة الطريق المرسومة بدقة لتشكل لوحة الوطن بألوانه الخمسة والخمسين.

 

ولا يمكن أن نحتفل بالاستقلال وفي لحظات الفرح الصادق من يستكثرون على هذا الوطن أن يمتزج فيه الألم بالفرح لتخرج روح وطنية ممتدة على طول خمسين عاما ويزيد.

 

 لا يمكن أن نحتفل بالاستقلال دون صدق طوية، وطهر قلب، وعلو همة مشتركة، فالاستقلال يحتاج اعترافا بما كان، يحتاج مناطق تتسع للبوح تتسع للألم والفرح على حد سواء، تتسع لأن نداوي جرحا بفرح وأن نحنو على من ظُلم حنو وحدة مصير وضرورة استقرار واستحضار تاريخ ..... نوفمبر تاريخ كتب وما زال يكتب وسيكتبه آخرون بعدنا فإذا كتبتم فاكتبوا تأسيسا وفرحا وصدقا وإيثارا فيوما ما لن يكون هناك نوفمبر.