
كتبت الصحفية في قناة الآن الكاتبة آسية عبد الرحمن تدوينة على صفحتها في الفيس بوك نالت اهتمام المتصفحين فعبروا عن إعجابهم بمضمونها و تفاعلوا معها بالتعليقات و الثناء على الأسلوب و الطرح.
تثير التدوينة إشكالية قديمة متجددة و هي هل الشاعر للجميع أم فرد عادي يظل رهينا لحياته الخاصة؟! و فيما يلي نص ما سطرته الصحفية الموريتانية :
#محمود_درويش_ليس_لك_وحدك!
قبل أيام طالعت على موقع صحيفة القدس العربي فقرات كتبتها الأستاذة رنا قباني عن أيامها مع زوجها الشاعر الفلسطيني العظيم محمود درويش .. ليس في الأمر ما يستدعي أي تعليق حين تقرّر مثقفة أن تكتب مذكراتها أو تكتب الشّق المتعلق منها بحياتها مع شخصية عامة سكنت بين الرصاصة والزيتونة في النضال العربي لأكثر من نصف قرن ..!
إلى هنا الأمر عادي جدا ومألوف ..
لكن ما يستدعي التّعليق هو تعامل الكاتبة، الزوجة المصون، مع السيد درويش على أنه ملك شخصي لها وذاكرة خاصة بها، وعلى أنه لم يكن قبلها وهي التي حوّلته من عربي “متخلّف” إلى “دوق” أنيق يأكل بالشوكة والسكين ويرتدي البدلة ..!
ليس عيبا أن يكون درويش ابن قرية مدمّرة وبدوي، ورجل شرقي بسيط ..
محمود درويش بسيط لأنه رائحة الزيتون المحاصر ولأنه بقايا سهل عكّا المفجوع ..
محمود درويش متخلف لأنه قصيدة قديمة من زمن “هذه الأرض لي” ولأنه صوت وفيّ لبقايا الجراح وبقايا الدماء وبقايا أنّات الموت الأخيرة ..!
محمود درويش “القضية” ليكون، لابد أن يكون تعبيرا عن القضية بكل بداوة أهلها وبكل بساطتهم وبرائحة شايهم و “هيْلهم”، ولا ينبغي أن يكون تعبيرا عن طموح المراهقات بالتجول بين المقاهي الغربية والرطانة مع الشقراوات بإنجليزية أنيقة ..!
محمود درويش سيدتي ليس مجرد”شاعر”..!
محمود بندقية ومحمود ذاكرة شعب مُهجّر، استقر كل تاريخه في قصائد مفجوعة تسافر من المخيم للمخيم ومن المنفى للمنفى ومن الشتات للشتات لتعلن في الريح دولة بين رصاصتين.. وتعلن حكاية شعب عنيد لن يهزم ولن يتراجع ولن يخرج من الوجع أبدا ..!
محمود سيدتي، صوت رسمي لحركة قال عنها زعيم عربي خالد إنها : هي أنبل ظاهرة عربية في التاريخ ..”فتح” أول الرصاص وأول الحجارة ، ودرويش هو صوتها الخالد.. و هو من حمل أسماء شهدائها لكل خيّام الأهل ولكل منافيهم الباردة ..!
سيدتي، أنت ابنة رسمية للشعر وابنة أخ شاعر عربي عظيم سكن الوجدان ووقف على ناصية التاريخ العربي الحديث حاملا لواء الانتصار للشعر وللثورة وللإنسان العربي .. وتعرفين جيدا أنه فشل في أن يكون زوجا بالمقاييس التي تفكر فيها سيدة شامية مثل زوجته الأولى .. لكنه نجح مع أخرى تشبه البندقية وسبق أن حملت الرصاص مع رجال فتح، وحين استشهدت بكاها أبو عمّار رجل فتح الأول “الختيار” حسب وصفك له..وهو الذي خلّد وترك من الصفات ما كان أنبل لك استخدامه وأنصف في حقه..!
سيدتي، درويش يوم كتب ” الجميلات هن الجميلات” لم يعد مجرد زوج لسيدة دمشقية تصنع الحلوى وتحب الشعر .. درويش كان ساعتها يكتب عهدا أخلاقيا بينه وبين كل نساء الأرض ..!
كان يترك لكل سيدة، أيقونة وعهدا وذكرى جميلة ..!
فعلا سيدتي لك الحق في الكتابة عن ذاكرتك الخاصة مع درويش وأيامك المشتركة ..لكن لا حق لك مطلقا في تقطيع هذه الذاكرة على مقاس خاص يُحّول الشاعر “الثورة” لمجرد تلميذ بسيط عند حضرتك .. ولمجرد ضائع بين الصراع والشعر انتشلتيه لعالم الأضواء والشهرة ..!
سيدتي تعرفين أن عمك العظيم النادر نزار كتب مذكراته بيده وقال: “حتى لا يقطّعني النقاد وكُتّاب المذكرات أكتب بنفسي عن نفسي” وكتب بنفسه عن نفسه .. درويش أيضا كتب نفسه، شعرا ونثرا ورصاصا .. وكتب قبل الغياب “في حضرة الغياب” وهو موجوع بضيق الشرايين كتب أنه “على هذه الأرض مايستحق الحياة” ..فدعي على الأرض ما يستحق واحترمي الذاكرة الجمعية..!
احترمي شاعرا عظيما كان، لحسن حظك، لك يوما زوجا ..واحترمينا..!
سقى الله قبر بلقيس فقد كان من حظها وحظنا أن سبقت نزار وتركته لنا شاعرا..!
