نوفمبر أو تشرين الثاني بلغة المشارقة شهر ليس ككل الشهور، ففيه وقعت ملاحم بطولية خالدة في العالم العربي، وفيه اندلعت ثورة الجزائر التي سقت الأرض بملايين الشهداء، وفي نوفمبر أيضا، وهذا هو الأهم حصلت موريتانيا على استقلالها بعد 60 عاما من الاستعمار الفرنسي المباشر، سجلت فيها المقاومة الموريتانية أروع الملاحم، وكانت أول مقاومة في العالم العربي تستمر دون انقطاع لمدة تقارب الأربعين سنة.
لن يسعفنا المجال هنا لسرد يوميات معارك الجهاد ضد الاستعمار، أو الوقوف على أضرحة المجاهدين، وتعداد الشهداء الذين سقوا بدمائهم تراب هذا الوطن الغالي، أو تتبع مسارات كتائب المقاومين وهي تذرع الأرض من وديان الخروب إلى كدية أهل عبدوكه مرورا بأم التونسي وتجكجة والنيملان وألاك، وسهوت الم وكيدي ماغا وكيهيدي.. والقائمة طويلة..
هي حقبة من التاريخ الحديث الأكثر إشراقا في يوميات موريتانيا التي تطفئ هذه السنة شمعتها الـ55.. حقبة اعترف الاستعمار نفسه بأنها كانت الأصعب في توغله داخل الصحراء الكبرى، ويقر الضابط الفرنسي "فرير جانه" في مذكراته بفشل سياسة فرق تسد التي انتهجها كبولاني لاحتواء الموريتانيين، مما اضطره للكتابة لفرنسا بحتمية الخيار المسلح كحل وحيد لتطويع هذا الشعب الصحراوي العنيد.
وعلى ذكر المقاومة تقول الرواية الفرنسية لمعركة أم التونسي: "تمت مباغتة الفرقة الفرنسية المتنقلة قرب أم التونسي يوم 18 أغسطس 1932 وبعد أن هزمت تماما حيث مات الملازم ماكماهون وخمسة ضباط صف وعشرة رماة واثنان وعشرون من الحرس عادت الغزوة أدراجها بعد أن فقدت سبعة وعشرون رجلا من بينهم قائد الغزوة وتكبدت عددا كبيرا من الجرحى ".
والضابط الفرنسي القتيل هو ابن لرئيس فرنسي سابق، وقد أثار مقتله مع خمسة ضباط آخرين في المعركة موجة غضب عارم في باريس.
ويقر افرير جانه في مذكراته بأن المجاهدين الذي هاجموا قلعة تجكجة وقتلوا كبولاني كان دافعهم الوحيد هو الدفاع عن أرضهم ودينهم كما صرح بذالك الجرحى الذين أعدمهم "فرير جانه" لاحقا.
تلك أمثلة قليلة أوردناها هنا، لعجزنا عن الإحاطة بالموضوع بكل تفاصيله كما تحدثنا آنفا.
ولأن الأمم التي لا تحترم تاريخها وأمجادها ليست جديرة بالحياة، فقد آلى الرئيس محمد ولد عبد العزيز على نفسه نفض الغبار عن تاريخ المقاومة الموريتانية فكان أول رئيس يوشح أحد المجاهدين الذين شاركوا في معركة "أم التونسي"، وهو محمد ولد أحمد طينش ولد بهده عام 2009 كما أطلق اسم "المقاومة" على أطول شارع في العاصمة، وأمر بتخليد بطولات المقاومين، وأطلقت الحكومة اسم "أم التونسي" على مطار نواكشوط الجديد عرفانا للمجاهدين بمآثرهم وبطولاتهم التي أثمرت في النهاية استقلال موريتانيا بعد رحيل الاستعمار مذموما مدحورا.
ونحن إن ننتهز الفرصة لتهنئة الشعب الموريتاني بهذه المناسبة السعيدة ونستمطر شآبيب الرحمة على أرواح الشهداء فإننا نشيد بجهود رابطة تخليد أبطال المقاومة الموريتانية، ونهنئ الحكومة على تسمية مطار نواكشوط باسم "أم التونسي"، كما نهيب بالموريتانيين كافة عدم التشكيك في أحداث تاريخهم القريب، وعليهم بقراءة مذكرات قادة الحملة الفرنسية، ليقفوا على حقيقة التضحيات العظام التي قدمها أسلافنا على هذه الأرض.. فالأمم التي لا تحترم تاريخها ليست جديرة بالبقاء.
بقلم : افاتو بنت لمعيبس