الحرية نت: ينظر لصالح ولد محمد المعروف ب"أج ولد كنو" في أوساط السجناء باحترام كبير وتقدير وافر، لما يبديه من استعداد للخدمة، وتقديم المشورة و النصح، وتفقيه النزلاء بالمساطر القانونية التي يجب عليهم أتباعها فنال بذلك لقب قانوني السجن.
كان صالح من المهمتين بالطب النبوي، وطور معارفه في هذا المجال، كان يتدارس القرآن بشكل دائم، ابتاع قبل توقيفه بالصدفة صورة للشيخ حماه الله كان لها فيما بعد أثر عميق في التخفيف من محنته حسب شهادته لنا، لا يستطع السجين السابق رواية تفاصيل من سنوات محبسه الخمسة ويقول بأن حكايات السجن تشبه أيام الطفولة.
نص المقابلة
لو اعطيتنا بطاقة تعريفية عنك و اين ولدت و في اي تاريخ؟
. آمل في البدء ان تسمحوا بتقديم شكري و تقديري لمؤسسة الحرية ممثلة في شخصكم الكريم . و اعتقد بصدق ان وجود اشخاص بمستوى وعيكم و مسئوليتكم يعطي نوعا من الاطئنان و التفاؤل على مستقبل العمل الصحفي و يجعل منه اساسا و مرتكزا لتطوير الحياة العامة في مختلف جوانبها.. و عن سؤالكم. فقد ولدت بإحدى البوادي في ولاية الحوض الغربي و قد كان ذلك على الارجح في منتصف العام . 1973 . ، ان هذا التاريخ يتضح من خلال المقارنة مع الاحداث المسجلة فقد كنت اسمع من والدي بأني ولدت في العام الذي توفي فيه احد الاعيان في منطقتنا و هو المرحوم ابراهيم ولد صالح . و الذي تشير بعض الوثائق الإدارية الى انه توفي في العام 1973 و من خلال وصف الحالة المناخية السائدة في تلك الفترة يمكن تحديد الشهر على نحو تقريبي . حيث سمعت من اهلي بأني ولدت في بداية موسم الامطار وهي فترة تبدأ من منتصف شهر يونيو و بداية شهر يوليو .
كيف تلقيت خبر الإفراج عنك؟
ج . عندما اخبرني قائد وحدة الحرس بخبر الافراج حمدت الله على ذلك و على نهاية المسألة بشكل عادي و دون دفع لتلك الغرامة المجحفة . فقد كنت افضل البقاء في السجن على الخروج منه حين يكون في مقابل دفع تلك الغرامة لاني سأكون تسببت في سن سنة سيئة للسجناء حيث انه لا يتصور عقلا ان يبقى الشخص في السجن كل هذه السنين و بعد ذلك يلزم بدفع هذه الغرامة الكبيرة فأين له بتلك المبالغ . ثم ان المعاهدات الاممية لا تسمح بهذا النوع من الممارسات فبقاء الشخص في السجن مقابل غرامة مالية يمثل نوعا من الاستعباد و اهانة الكرامة . و مع ذلك فإن هذه الغرامة لم يلزم بها احد من سجناء السلفية قبلي ..
كيف مرت عليك الأيام الأخيرة من السجن؟ .
ج . مرت علي تلك الايام و انا احاول فهم الدوافع و الخلفيات في ذلك القرار الذي اتخذته السلطات القضائية و ما يتسم به من ظلم و تمييز ...
لماذا تم تأخير إخلاء سبيلك؟ .
ج . حصل التأخير بسبب القرار المذكور . الذي اتخذه وكيل الجمهورية بولاية انواكشوط الغربية حيث تم الزامي بدفع الغرامة البالغة خمسة ملايين اوقية و بعد ذلك قام بفرض الاكراه البدني علي بشكل يخالف قانون الاجراءات و يتعارض مع كثير من النصوص و المفاهيم المعتبرة في المواثيق و المعاهدات الدولية المصادق عليها من طرف الحكومة الموريتانية .
يصفك السجناء بقانوني السجن لماذا أطلقوا عليك هذا اللقب؟
ج . هذه الصفة حصلت بعد جهود قام بها بعض السجناء في مجال بعث الوعي الحقوقي و الانساني داخل المنشأت السجنية و قد كنت من ضمنهم ....
كيف اكتسبت تلك المعارف؟
ج . قبل دخولي السجن كان لدي اطلاع على القانون و التشريع بحكم دراستي . و قد اتاحت لي فترة السجن تعميق تلك المطالعات و اجريت عدة بحوث على بعض النصوص القانونية مثل قانون الاجراءات الجنائية الموريتانيي و قانون العقوبات و المدونه التجارية و قانون الالتزامات و العقود . و كذلك العهود و الاتفاقيات الدولية و التي يمكن اعتبار المصداقة عليها مكسبا حقيقيا في مجال الحقوق الاساسية رغم انها لم تفعل في المحاكم لحد الساعة حسب علمي . .
لأي مرجعية فكرية تنتمي ؟
ج . في واقع الامر لا توجد مرجعية فكرية متماسكة في العالم الاسلامي بكل اسف . و ربما تكون هذه المسألة احد الاسباب الرئيسية فيما تعاني منه الامة الاسلامية . و بحكم انتمائي لمدرسة التصوف فإنني اميل الى الرأي السائد لدى كثير من المهتمين بالفكر الاسلامي . و هو انه بعد حجة الاسلام الغزالي . لم يتفق في حياة المسلمين حصول المستوى الفكري الكافي لقيام منهج متكامل يؤسس لحلول شمولية لمختلف الشئون العامة ..
من ظل يواظب على زيارتك في محبسك؟
ج . لقد ظل الاهل و الاصدقاء مواظبين على زيارتي و من لم يتمكن من الزيارة بسبب ظروف معينة كان يصلني سلامهم و تعاطفهم . جزاهم الله عني خير الجزاء انه سميع مجيب .
كيف ترى ظروف السجن اليوم؟
ج . ارى ان الظروف داخل السجون قد تحسنت بشكل عام . رغم ان بعض هذه المنشآت لا زالت تعاني اوضاعا مأساوية . مثل سجن دار النعيم الذي يعاني الاكتظاظ و سوء التغذية و غياب الرعاية الصحية و غياب الامن و انتشار الفوضى و تقوم عصابات المجرمين داخل السجن بتهديد السجناء العاديين . و في بعض الاحيان تحدث عمليات قتل و جراحات خطيرة .
كيف تحررت داخل السجن من الحزن والانكسار واليأس؟
ج . بفضل الله . اولا . ثم بالايمان بقضاء الله و قدره . و التأسي بالانبياء و الصالحين ممن تعرضوا لمحنة السجن . و قد حصل لي نوع من التوفيق عندما كنت في مطار بامكو و قبل ذهابي الى انواكشوط الذي سيتم اعتقالي بعده . حين مر بي بائع متجول يبيع المسابح و صورا لشيخنا حماه الله فاشتريت منه صورة لشيخنا حماه الله فظلت هذه الصورة تذكرني بان الظلم الذي وقع علي قد وقع على منهم افضل مني و اعلى مقاما عند الله .
يقال بأن إدارة السجن كانت تلجئ إليك لتهدئة الأوضاع وحل بعض المشاكل؟
ج . لقد كنا نقوم بما نستطيع من تهدئة الاوضاع خدمة للصالح العام و لمساعدة الناس على انفسهم كي لا يتمادوا في ما يعكر على الجميع حياتهم و يدفعهم الى تجاوز القيود الاخلاقية و القانونية . و لم يكن ذلك استجابة لطلب ادارة السجون التي يؤسفني القول بأني اعتبرها ادارة لا تتحلى بالمسئولية و تساهم بتصرفاتها غير الادارية في زيادة التوتر داخل المنشآت السجنية . و لم يكن بيني و بينهم اي تشاور او تواصل بسبب القناعة التي تشكلت عندي حولهم ..
هل يمكن ان تروي لنا إحدى حكايات السجن؟
ج . حكايات السجن متشابهة و بعد الخروج منه تبدو مثل حكايات الطفولة . و لا اذكر الآن شيئا يمثل اضافة يجدر ذكرها .
لمذا تم وضعك في قاطع السجناء السلفيين؟
ج . تم وضعي معهم بعد ان انهى القاضي المكلف تحقيقه معي حول الاتهام . و قد سألته مرة لما ذا تأمر بسجني بناء على امور لم تحصل و ما الذي شكل لديك قناعة بضرورة سجني فلم يجبني بشيء مقنع .
هل شاركت في التمرد الأخير داخل السجن المدني؟
ج . لا . لم اشارك في تلك الاحداث المؤسفة . و مثل رأي الكثيرين حولها ارى ان عدم المبالاة و غياب المسئولية كانت هي السبب .
هل ترى بأنك ساهمت في تغيير الصورة النمطية عن السجن؟
ج . آمل ان تكون المساعي الحقوقية التي ذكرت لكم في الاجابة السابقة قد ساهمت في ارساء الوعي الحقوقي و الانساني و غيرت من مفهوم السلطات العمومية لكيفية فرض القانون و ترسيخ مفهوم الدولة و ان الطريق لذلك هو سيادة العدل و المساواة و احترام الحقوق الانسانية . و ان التمادي في الغي و احتقار الكرامة الانسانية هو الطريق الوحيد الى تلاشي سيادة الدولة و توفير الشروط اللازمة لانهاء الاجتماع الانساني الراقي . .
كيف ترى علاقة السجناء فيما بينهم خاصة التيار السلفي؟
ج . تعتبر السجون من الاماكن التي يجتمع فيها مختلف النماذج السلوكية و العلاقات في ما بين اهلها لا تبدو منسجمة مع المعايير في الحياة العادية . و بخصوص السجناء السلفيين فلست مطلعا بما فيه الكفاية على مستوى العلاقات فيما بينهم . سوى ان مسألة الحوار الذي دعت له مجموعة معتبرة او الاغلبية منهم على ما اتصور . قد تؤدي الى اختلاف في وجهات النظر . فيما بينهم . لكنه و على الرغم من خطابات هذه المجموعة المتكررة و رسائلهم و نجاح تجربة الحوار الماضية فلم اسمع منهم ذكرا لحصول استجابة لتلك الدعوة من طرف الحكومة .
لماذا برأيك لم يتم تحريك ملفك خاصة أنه لم تكن هناك قرائن على انتمائك لأي تنظيم؟
ج . هذه المسألة من ضمن الامور التي لم اجد لها جوابا رغم ما بذلته من تفكير حولها . و من الملاحظات التي اود ذكرها بهذا الصدد ان كل السلطات التي اشرفت على ملفي كانت تدرك هذه الحقيقة . و مع ذلك فقد حصل تجاهل لهذه المسألة و لاحظت بعد خروجي انه تم استجواب بعض الاشخاص في كندا و بعض الدول العربية بناء على رسائل قدمتها الحكومة الموريتانية تقول فيها بأنها اعتقلت ارهابيا خطيرا . و المضحك هنا انهم لم يذكروا اي اساس لهذا الوصف بالارهاب و الخطورة . و الحمد لله تبين لتلك البلدان ان المعلومات ليست أكيدة لذلك لم يعتقل اي شخص في اي بلد بسبب علاقته بي .
هل تعتبر نفسك أحد ضحايا الحرب على الإرهاب؟
ج . نعم . و اعتقد ان كل من حصل له اطلاع على حيثيات الملف يمكنه التأكد من ذلك ..
ما هي مشاريعك المستقبلية؟
ج . ارجو من الله التوفيق و استمد منه العون و السداد . و اعتقد ان هناك حاجة لبعض الوقت . لكي اتمكن من تحديد الانسب .
بنظرك ما مدى امكانية جعل السجون مؤسسات للتأهيل؟
ج . ان الرؤية السائدة في كثير من البلدان حول المنشآت السجنية هي ان تكون هذه السجون مؤسسات تأهيل و اصلاح وفي واقع الحال تمثل المنشآت السجنية في بلدنا عكس هذه الرؤية بكل أسف . فهذه المنشآت تقوم بتوفير بئة ملائمة لتدريب الاشخاص على صنوف من الاجرام و الجنوح . و قد لاحظنا بعض الاشخاص يدخل السجن في المرة الاولى على قضية بسيطة مثل سرقة هاتف او مشجارة و لكنه عندما يخرج من السجن يكون قد تلقى تكوينا على انواع الاجرام الاخرى مثل القتل و السطو و الحرابة و لم يكن ذلك ليحدث لولا انه لا توجد سياسية اصلاحية و تأهيلية داخل هذه السجون . و قد نبهت الى هذه النقطة في عدة مخاطبات الى الجهات الحقوقية و قمت بالتعاون مع مركز الكرامة للدراسات و حقوق الانسان على صياغة مشروع متكامل يمكن من خلاله تأطير هذه المنشآت لكي تقوم بدور اصلاحي و تأهلي بدلا من الوضع السائد .
كنت تقوم بتدريس القرآن الكريم داخل السجن أليس كذلك؟
ج . او بالاصح كنت اتدارسه مع بعض الاشخاص . و قد كانت من اكبر النعم التي يحصل عليها المرء في السجن . و استطعت بفضل الله تأليف مصنفين في علوم القرآن سأقوم بنشرهما لاحقا .
ما هي أصعب حكايات السجناء التي تتذكرها؟
ج .مهما كانت الصعوبات فقد رأينا من لطف الله و مدده ما يجعلها بسيطة و لا تستحق الذكر ..
يقال بأن لديك معارف في الطب البديل أو الطب النبوي؟
ج . كانت لدي ميول للطب النبوي قبل دخولي الى السجن و سبق لي ان اخذت دورات في نفس المجال في معهد للطب العربي في احد البلدان العربية و عندما دخلت السجن لاحظت انتشار الادوية المزورة و علمت ان هناك خطورة من تناولها فلخئت الى تعميق بعض المباحث في علم الطبائع القديم و بعض معارف الطب الشرقي و الطب البديل المعاصر . و بفضل الله استطعت اكتشاف بعض التركيبات ذات الكفاءة العالية في القضاء على الحميات المستطونة مثل الملاريا المزمنة . و بعد ذلك استطعت الحصول على وصفات تساعد في ضعف الكلا و الغدد الصماء . و قد اعطت الاختبارات السريرية نتائح ملحوظة بفضل الله ..
أكرر شكري لكم على اتاحة هذه الفرصة . و السلام عليكم و رحمة الله .
حاوره المامي ولد جدو