تعيش موريتانيا المحصنة من الأزمات كما تدعي الأغلبية (المنزوعة الفهم و الطموح قبل السلاح) أزمة عميقة، لا كما تقول المعارضة (العاجزة عن تشخيص أزمتها هي نفسها) .. أزمة أعمق مما تتخيل المعارضة الغبية و أبلغ من ترهات الأغلبية السخيفة .. أزمة قاتلة .. في الصميم .. أزمة تهدد وجودها .. تنذر بخروج كل شيء عن السيطرة ..
بتصادم الجميع بالجميع .. بوقوع البلد في حبائل فخ قدر لا مخرج منه .. أزمة متفاقمة أطرافها: النظام ، إسرائيل ، المعارضة، القاعدة، المخدرات، الجوع، الضياع، فرنسا، السنغال، المغرب، مالي، و وحده الشعب الموريتاني المغيب في عملية إدارة مصيره الغامض..!
ها قد وقفت موريتانيا ـ بعد نصف قرن من النهب و الفوضى و العبث و التدمير و التلاعب بمصيرها ـ على حافة الهاوية : أفلست المؤسسة العسكرية حتى حكمها آخر من كان يتوقع أن يتولى أي منهم قيادة فصيل عسكري : ولد عبد العزيز، ولد الغزواني، فيليكس نغري، انجاغا جينغ ..
أفلست المعارضة حتى تزعمها من كان يجب أن تكون المطالبة بمحاكمتهم، أهم أسباب ثورتها : ولد داداه، بيجل، أحمد ولد سيدي بابه، أعلي ولد محمد فال، الذي ينسى أحمد ولد داداه أنه قال فيه يوما "إن يديه ملطختان بدماء الموريتانيين الأفارقة في مرحلة الثمانينات، كما أنه مشارك بشكل عميق في تجارة المخدرات وربما يكون أكثر الموريتانيين فسادا" مضيفا "إن أسوأ احتمال قد تنتهي إليه الأزمة السياسية بموريتانيا هو عودة أعلي ولد محمد فال إلى السلطة": http://www.alakhbar.info/20131-0-A0F---FC0F-F-BC--F-.html
أفلست السياسة حتى رأى الجميع كل "العلامات الكبرى" لنهاية البلد من خلال رؤساء أحزاب لا شيء في الوجود يثير الشفقة أكثر من خجلهم من أنفسهم حين يقدمونها لمن يكون..
أفلس الإعلام ليتحول من حلم موجه المجتمع و رائد مسيرة تقدمه إلى عقدة وطنية يتندر بها الجميع : مدير قناة تلفزيونية يستغرب التحولات اللفظية للكلمة كأنه لم يسمع قط في حياته عن ورطة سيبويه .. مدير جريدة يستغرب عبث إحالات المصممين "المستهترة" على الصفحة الأولى .. رئيس تحرير موقع الكتروني يحمل المسؤولية القانونية و الأخلاقية في كل ما ينقله من ترهات لـ"مصدر مسؤول" لم يقابله يوما في حياته.. أفلست حتى أصبحت تابعة لمفوضية شرطة (هابا)، بعدما كانت ترفض بعناد تبعيتها لوزارة الإعلام .. حتى أصبحت موزعة بين روابط ما كانت لتمثل غير مهن يدوية في أسوأ الأحوال.
أفلست الثقافة و اختلط حابلها بنابل التفاهة ليصبح "الحكواتي" منظرا في الفكر و المهرج أستاذا في المسرح و الغانية جارية أمير المؤمنين المكلفة بحقيبة الثقافة، و المهرجانات الأدبية كرنفالات برازيلية يتمايل فيها ولد الشدو و ولد الكتاب و بنه ولد الشنوف و فاتنات الطابور الخامس و مطربات الصف السادس و شعراء المناسبات على وقع أزمنة موسيقية متعاكسة، في أمسيات باذخة لا يطبعها شيء أكثر من "قلة الأدب" ...
أدعوكم جميعا إلى قراءة ما يكتبه ولد ابريد الليل هذه الأيام تحت عنوان "موريتانيا و أزواد" لتكتشفوا بأنفسكم قدرة "المثقف" الموريتاني على لي عنق الحقيقة لصالح الحاكم؛ من يحاول أن يصنع من ولد عبد العزيز فاتحا و موحدا للصحراء الكبراء لا بد أن "عقله منفتح جدا إلى درجة أن كل شيء يمر به من دون أثر" كما يقول أحد الكتاب الغربيين..
أدعوكم إلى قراءة "الرحيل :لماذا؟ و كيف؟ و إلى أين؟" لولد الشدو لتفهموا كيف يتحول "المثقف" من موجه للمجتمع إلى متسول لعطفه بسبب الطمع !؟
أفلس التعليم حتى أصبح عقل الأستاذ الجامعي يستمد عظمته من قبول الواقع المعاش و التفنن في تبرير ترهاته .. حتى أصبح الحرم الجامعي منتجعا سياحيا تتبرأ من شذوذه أحياء الفقر بالعاصمة .. و بوابات الثانويات الخاصة مساحات مفتوحة للفرجة على بدايات الانحراف الأخلاقي الممنهج ..
أفلس الأمن حتى أصبح الطرف الأغرب في كل قضية تعرض على القضاء .. و انحرف القضاء حتى أصبحت كل أحكامه مجرد قضاء و قدر ..
رجال الأعمال في البلد مزورو عملات و تجار مخدرات .. التجار تخصصوا جميعا في الغش و التزوير و التحايل على المستهلك و الضرائب و مصانع التصدير حتى أصبحت أسواقنا تعج بروائح العفن المقززة ..
رجال الدين ـ إلا من رحم ربك ـ ما بين مفتي تحت الطلب و محلل تحت الطلب و "آفاتار"، (إله نزل من السماء ليعيش بين الناس في الميتولوجيا الهندية) يتحرك كل شيء من حوله عن طريق موجات تأمله، منكر من يسأل عن سر معجزاته و فاجر من يشكك في تحكمه في أسرار الكون و علم الغيب و يخسر دينه و دنياه كل من لا يطوف بحوزته..
"الصلاح" ماركة تجارية مسجلة باسم عائلات آريسوقراطية تعيش على النصب و الاحتيال في مجتمع بوهيمي تطارد كل فرد منه عقدة الشعور بالذنب فيتشبث بأي قشة ..
لا هم لنساء موريتانيا اليوم و لا حديث لهن سوى "المساواة مع الرجل" و تنسى أنه كان عليها أن تتساوى أولا مع نساء العالم التي أصبحت ضابطات و طيارات و مهندسات و طبيبات و سيدات بيوت محترمات لا تشحت لتدفع رواتب مربيات و طباخات كان أولى بها أن تعيش بشرف مثلهن، لا بترف مزيف على حساب رسالتها المقدسة كأم عظيمة يخجل كل رجل من قدر مكانتها..!
كل شيء مقلوب في هذه الأرض الغريبة مثل إنسانها لذي حير العالم بدهائه المدمر رغم سذاجة مظهره و تفاهة اهتمامه و التباس أبعاده : أربع مليارات أوقية هي ديون المحلات الصينية الصغيرة على التجار الموريتانيين سنة 2010 ، فمن ذا يستطيع غير الموريتاني، أن يقنع صينيا يحاوره عن طريق حاسبة، أن يستلفه بضاعة حتى يرد له ثمنها من دون شيك و لا عنوان و لا معرفة مسبقة ؟ و الغريب أننا لا نستغربها كأنه أمر محفور في كل واحد منا؟
ـ قف الآن أمام أي فيللا ناعسة بتفرغ زينه و اسأل من صاحبها؟ ستجد في الغالب، أنه (ها) ينحدر من إحدى أفقر الأسر الموريتانية، لم يتلق تعليما يذكر في حياته، لم يمارس نشاطا تجاريا، لكن لا تحاول أن تعرف عنه (ها) أكثر، لأنك لن تفهم..!
ـ تجول في "بورصات" تفرغ زينه" و تذكر قبل تدوير آليات إدراكك أن كل هذه السيارات الفارهة مسروقة من أوروبا، لتدخل فضاء الفهم من بوابة هوليوود.. و اسأل إذا شئت، لكنك لن تفهم مهما حاولت، سوى أنك لن تفهم..!
ـ اسأل كيف اختفى طابقان من مستشفى الشيخ زايد و كيف اختفت تجهيزاته التي وصلت ميناء نواكشوط في أربعمائة حاوية و لا تنتظر الجواب .. اسأل فقط كيف طلعت ألف عيادة خاصة فجأة من تحت الأرض بكامل معداتها، كأن أعتق مصانع الأجهزة الطبية تقبع منذ مئات السنين في "تن اسويلم"..!؟
كل العصابات التي حكمت موريتانيا منذ نشأتها حتى اليوم كانت من صنع فرنسا .. كل المعارضات التي عرفتها موريتانيا حتى اليوم ، كانت الحكومات الفرنسية سندها الأقوى و وسيلة ضغطها الأولى على النظام؛ فماذا يمكن أن ننتظر أفضل من رئاسة ولد عبد العزيز و معارضة ولد داداه؟
"إلى أين تتجه موريتانيا"؟ سؤال فلسفي كبير تطرحه تقدمي منذ فترة، رد عليه كل من ردوا بما يؤكد أننا نعيش أزمة مصطلحات حين نتكلم عن السلطة و المعارضة و المثقفين:
لا توجد في موريتانيا سلطة و إنما تحكمها عصابة أشرار منذ ولدت "الدولة" و ليست فيها معارضة و إنما هي عارضة أزياء رخيصة، معروضة منذ ولدت للبيع (حزب مسعود، حزب ولد داداه، حزب ولد مولود، حزب بيجل، حزب ولد سيدي بابه..) .. معروضة منذ ولدت للإيجار (تكل القوى الديمقراطية، حين كان ولد عبد العزيز يحتاج خدماته للدفاع عن انقلابه .. و في مؤتمر ولد سيدي بابه حين احتاجه معاوية لمهمة مماثلة .. و حين تم تكليف ولد داداه من قبل فرنسا بتحضير طبخة "اتفاق داكار" ليستبدل بمسعود لإضفاء الشرعية على الانتخابات التي كان يترأس الجبهة الرافضة لها) : لا شيء يستحيل في موريتانيا غير المستحيل.
"المثقف" في موريتانيا، (و يطلقونها على أمثال ولد الكتاب و ولد الشدو و ولد ابريد الليل و شيخنا ولد النني و تقي الله الأدهم و بنت اسنيد و وزيرة الثقافة (بطبيعة الحال) و وزيرها السابق ولد المعلى (المتذرع في كل أخطائه بلين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، دون شدته) .. "المثقف" في موريتانيا ـ و هو دائما بين أكثر من قوسين ـ نكتة سخيفة تماما كما نطلق كلمة "سياسي" على بيجل و ولد سيدي بابه و البطريقة و ولد دومان .. و كما نطلق كلمة رجل أعمال على ولد انويغظ رغم قصة الطوابع الجبائية و ولد عبد الله رغم قصة "اسمار" و "كوديمكس" و ولد بوعماتو رغم قصة "صونلك" .. و كما نطلق صفة وزراء على تعساء حكومة ولد محمد لقظف المخجلة أكثر من قصة تقلده حقيبة رئيس الوزراء التي يدرك وحده أنه آخر من يحفلها على وجه الأرض، تماما مثل رئيسه المغتصب للحكم و لرتبة الجنرال و للجنسية الموريتانية ( لقد عمل المغرب جيدا من خلال كذبة مصطنعة تم ترتيبها بإحكام منذ عقود، على ترميم واجهة النظام الحالي و يبدو واضحا أن الشعب الموريتاني المتسائل من حين لآخر "متى تسقط حكومة ولد محمد لغظف"؟، لم يفهم أنه وقع في ورطة تاريخية، تم التحضير لها طويلا في انتظار فرصة، وحده المغرب من يعي جيدا أنها من الصعب أن تتكرر..!).. و إذا تجاوزنا "أزمة المصطلحات" المربكة بالفعل في هذا البلد الشاذ في تكوينه و المبالغ في كل شيء ، و تجاوزنا "انتحال صفة المثقف" الصادمة، يكون علينا أن نسأل أنفسنا "هل نحن جادون بالفعل في أسئلتنا و ردودنا" إذا كنا نسكت (تواطؤا أو خوفا أو طمعا) عن عبثية أحزاب الرعاع و جرائد التسول و مواقع الابتذال و المحطات الإذاعية الداعية لكل شيء و عكسه دون وعي و المحطات التلفزيونية المتبجحة بالجهل، الضاربة عرض الحائط بكل مقدسات الإعلام و مبادئ المهنية و المنظمات غير الحكومية العاملة في الأمن و السياسة و السوق السوداء؟ : حين تقرؤون ـ على موقع "الأخبار" ـ مقابلة مع رئيس حركة (MW) ، تجدون أنها تميل إلى السخرية من أفكاره و هو موقف تستدعيه غرائبيتها لا شك، لكن المؤسف أنك تجد أصحاب هذا الموقع في أعلى درجات الجدية حين يعدون مقابلة مع ولد هيبة بصفته خبيرا عسكريا، متخصصا في شؤون المنطقة، فأي الثلاثة أغرب و أيهم أدعى إلى السخرية؟ و لا أدري هل أصبح التستر على انتحال الألقاب من شروط احترام هذه الزمالة المنتحلة هي الأخرى أكثر من أي شيء آخر؟
هذا شعب مستهتر في كل شيء و بكل طبقاته؛ ليس فيه جاد و لا مؤمن بأي قضية و لا من هو فوق الاتهام في أي شيء ؛ رابطة أيمة المساجد بكل أبهتها و وقارها تعيش على اختلاس المساعدات المخصصة لأطفال الشوارع و المتسولين (200 مليون أوقية كانت تدفعها مفوضية حقوق الإنسان وحدها سنويا لهذه الرابطة المتكفلة بألف و مائتي متسول، هم من ترون يوميا على كل تقاطعات و دوارات نواكشوط من دون الحديث عن ما تدفعه الجهات الخارجية و المحلية الأخرى) ..
لا أحد يستطيع اليوم على أرضنا أن يفهم من خلال الممارسات على الأقل هل يميل حزب "تواصل" إلى تحرير القدس أو إلى تهويدها.. لا أحد يستطيع أن يفهم على أرضنا هل كان تكتل القوى الديمقراطية حزبا يمينيا أو يساريا، من خلال سيرته الطويلة.. لا أحد يستطيع أن يفهم على أرضنا اليوم هل علماء موريتانيا مالكيون كما يقولون أو وهابيون كما يفعلون..
هذا بلد يعيش فيه كل من لا يتحايل، على هامش الحياة .. يموت فيه كل من لا ينافق من الجوع .. ينبذ فيه كل من لا يخضع لإكراهات الانحطاط ليصبح مصيره درسا لكل الحالمين بمستقبل أفضل.. المنظرون السياسيون في بلدنا لا يفرقون بين الحرية (غير الضرورية في بلدنا إلى هذه الحد، على الأقل) و الديمقراطية (الضرورية والمغيبة فيه إلى أبعد الحدود) : الانفلات من كل القيود ليس حرية بأي معنى و تكسير اللغة العربية في الإذاعات و التلفزيونات "الحرة" ليس حرية إلا عند "الهابا" و تزوير الانتخابات و الأرقام و الحقائق ليس ديمقراطية في غير موريتانيا .. الحرية فضاء ذهني لنزع فتيل أي توتر و الديمقراطية ممارسة ميدانية للعدل و المساواة؛ فأين الأولى في هستيريانا السياسية و أين الثانية في عراك "النخب" على الموائد؟
علينا أن نفهم اليوم أن موريتانيا تلفظ أنفاسها الأخيرة مع الأسف، في نتيجة حتمية، تأخرت كثيرا عن موعدها .. أن شعبها شعب مستهتر لا يستحق دولة ، محكوم عليه أن يعيش ـ كما يريد بالضبط ـ على هامش الحياة أو يموت كما يراد له، في حفرة شقاء لا يستحق أكثر منها..
لا يخفى على أحد أننا نتكلم عن عقدتنا، حين نتحدث بكل نشوة الانتصار في أبواق أماسينا المخجلة عن أمجاد شنقيط و فتوحات المرابطين و أسطورة محاظر "ظهور العيس": كل هؤلاء كانوا أقل منا وسائلا و أصعب ظروفا ؛ فكيف يكون اليوم محصول طفل دون الثامنة عشر في محظرة بقرية نائية أضعاف محصول خريج بأكبر شهادة من جامعتنا المخجلة؟ .. كيف استطاع المجاهد يوسف بن تاشفين بكتيبة بلا بوصلة فتح مراكش و الأندلس و تاه جنودنا في انبيكت لحواش رغم قيادة الجنرال للمعارك بنفسه من غرفة عمليات القيادة العامة للقوات المسلحة؟ : المعارك، الجنرال، غرفة العمليات، القيادة العامة للقوات المسلحة؛ من يسمع مفردات هذا القاموس الرجولي يدرك حتما أنكم أبناء يوسف بن تاشفين فلا تتركوه يشاهد تفاصيل ترجلكم في انبيكت لحواش و تساقط جنودكم في كمائن عصابة بلا أركان حرب و لا جنرالات و لا غرف عمليات و لا قيادة عامة!؟
هو ذاك بالضبط : تاريخنا أكبر من واقع المنطقة كلها .. أكاذيبنا أكبر من كل الحقائق على وجه الأرض .. و مآسينا مفخرة تندحر كل الأساطير أمام ألوان نيران مفرقعاتها..
ليس في هذا البلد من يبالي بما عدا مصلحته الآنية الضيقة : تحاول المملكة المغربية اليوم ـ و هذا من حقها الكامل ـ أن تثبت أنها مركز الثقافة الحسانية و أننا نحن الطرف. و يتهافت شعراؤنا و فنانونا و مثقفونا على تلفزيون العيون ليكونوا وسيلة هذا الإثبات على مرأى و مسمع من السلطة و الصحافة و رابطة الكتاب و اتحاد الأدباء و "هابا" و وزارة الثقافة من دون أي ردة فعل من أي درجة ؟؟ هل تفهمون ما تريده المغرب ؟ هل تعتقدون أن بلدا راسخا في التاريخ، يموت ملايين مواطنيه من الجوع، يصرف أموالا بهذا الحجم على فناني و مثقفي و شعراء موريتانيا لهوا و مرحا؟ هل يمكن أن نتصور أن تكون في هذا البلد يوما سلطة أو أي جهة أخرى تفكر في مواجهة الحياة من دون أن تكون مرتزقة؟ .. "لم نذهب إلى المغرب ـ يقول لي الفنان الشيخ ولد آبه ـ إلا حين لم نجد وطنا يهتم بنا و بتراثنا"؛ تلك هي المأساة الحقيقية التي لا يتكلم عنها أحد و هي مأساة في بعديها الدراميين : كل موريتاني يبرر أخطاءه بأخطاء الآخرين كأنه ليس مسؤولا ـ و لو ـ عن جزئه من القضية و كل موريتاني سيجد قطعا مبرره لإحراق ما على هذه الأرض إذا تذرع بأخطاء السلطة . فمن سيغير موريتانيا و متى كانت الناس تولد في أفواج من الثوار المحررين؟
ـ " ... السيد الرئيس، في هذا الواقع السيزيفي، وهذا البلد البرزخي، الذي بنينا سمعته ومجده بأقلامنا، حتى صار معلما يعرف بأرض المعرفة وحضارة الشناقطة...يجب أن يفهم البعض أننا نختلف عن نوعية الضباط الذين نالوا رتبة جنرال وهم جالسون بين حوالات محصلية الضرائب حيث لم تطأ أقدامهم أبدا جبهة القتال.." هكذا كتب الشاعر المختار السالم، مسؤول الإعلام في مكتب اتحاد الأدباء الموريتانيين بتاريخ 17 إبريل 2012 ردا على تهكم "رئيس الجمهورية" من تسمية "بلاد المليون شاعر" بمناسبة افتتاح ورشة ميكانيكا و هكذا يجب أن يحدث في أي بلد يغار أبناؤه على سمعته و يشعرون حقا بالاعتزاز بانتمائهم إليه و لا شك أن هذا أقل ما يجب أو حتى يمكن أن يقال في مثل هكذا مواقف . و ما كان الشاعر المختار السالم قطعا، ينتظر اعتذارا من "رئيس الجمهورية" فقد كان واضحا أنه يدرك يقينا أنه ليس في بلاط سيف الدولة، لكن ما يحيرني هو كيف نسى شاعرنا أنه ينتمي إلى اتحاد سماسرة لا اتحاد أدباء و ما يحيرني أكثر حتى هذه اللحظة هو لماذا لم يكمل الشاعر مشوار تمرده بتقديم استقالته من هذا الكيان الهجين، المسيء لسمعة بلد المليون شاعر أكثر من كلام ميكانيكي و هو يدرك قطعا أن مبادرة مكتب اتحاد الأدباء بلقاء ولد عبد العزيز (من دونه) يوم 22 إبريل أي خمسة أيام بعد صدور مقاله، كان من أجل اعتذار ولد المعلى و جوقته البائسة عن "فعلتك المشينة"؟ ألم يكن تبرؤ اتحاد الأدباء من فجورك أكثر إساءة إلى سمعة أرض المليون شاعر من تهجم رئيس عصابة لم يجلس يوما على كرسي، على أرض ليس بها قبر واحد لأب أو جد له؟ هل أنت حالم إلى حد اعتقاد أن كل مشاعرك الوطنية يمكن أن تهزم مصالح اتحاد أدباء بنوا تاريخا أكبر من تاريخ أثينا بالتودد للحكام و التغطية على فواحشهم؟
هل نسي المفوض ولد آده في أي زمن يعيش لينفض ريشه على "أمربيه" الرافع سيف التحدي على عتبة زمن ولد عبد العزيز بغرور، المبهور بسخاء ضربة القدر التي أوصلته إلى ما كان يعتبره حلما لم يخلق لأمثاله، المزهو هذه الأيام بطيش محسن ولد الحاج الذي أوصله قاع مزبلة النسيان بعد قصة هدية بيت رملة؟ .. هل ما زال يعتقد أن أسرار الجلسات الأمنية مقدسة ليخرج من الاجتماع موظفا ساميا (بعد نزع صلاحياته) ليمارس عمله الرمزي بشرف و هيبة الرتبة؟ في زمن المافيا يجب التنكيل بكل من يخالفها الرأي و يجب تقديم قصته للناس بكل تفاصيلها ليعتبر بها من لا يعتبر ..
على من يتبجحون بتدميرهم لهذا البلد أن لا ينتظروا منا غير الدوس على جثثهم النتنة بأقدامنا المنغرسة في هذه الأرض حبا و وفاء لعهود لا تفهمها العصابات المرتزقة..
قد تدمرون بلدنا الغالي بكل حقد و استهتار و تحرمون شعبه المستباح من أقل حقوقه المهدورة لكن لا تفكروا أبدا في انتزاع اعترافنا بصدق نواياكم و لا بعدل سلطانكم .. و سيكون علينا من الآن فصاعدا أن نبول على القوانين حتى تحتاجونها لحمايتكم كما تذعنونها اليوم لحماية جبروتكم ..
هل يفهم الشعب الموريتاني أنكم أجبن و أهون شأنا من كل ما يمكن أن يتصوره.
هل يفهم الشعب الموريتاني أنه ليس بحاجة إلى زعامة ولد داداه الكاذبة .. و ثورة أعلي ولد محمد فال المضحكة ، ليقتلع هذه العصابة بعروقها الممتدة على سطح الأرض كالشتلة المنقولة في كيس ابلاستيك..؟
علينا اليوم أن نعمل على تحريك إحساس الإنسان الموريتاني ليدرك مسؤولياته تجاه هذا الوطن الأم الذي يعقه منذ ولدت الدولة .. و علينا أن لا نقفز على المفاهيم الجوفاء (الديمقراطية ، التعددية، المساواة..) لنربكه و نخلط أوراق الحقيقة في ذهنه ؛ فما الفرق بين ولد عبد العزيز و اعلي ولد محمد فال و ولد داداه و مسعود ولد بلخير؟
لو تبرع أعلي ولد محمد فال للثورة بأحد أسواقه التي بناها تحت العلم، لحاولنا فهمه ولو من باب البحث عن مصلحته الضيقة المشروع في بعض أوجهه ..
لو فهمنا من أين تأتي المليارات التي يصرفها ولد داداه على كل انتخابات رئاسية ، لبحثنا عن سبب واحد لإنصافه..
لو رأينا مسعود ولد بلخير يوما واحدا يغلب مبادئه على مصالحه لكان من حقه علينا أن نبحث عن معنى آخر لمواقفه..
كفى استخفافا بعقول الناس .. كفى عبثا بحقوقها و مصالحا .. كفى تلاعبا بمصيرها الذي أدخلتموه نفقا مظلما، ستدركون يوما أنكم أول من سيكتوي بجحيمه..
يكفي موريتانيا ضياعا أن يصبح رئيسها ولد عبد العزيز القادم من خلف غيوم الضياع و يحدد شروط الانتماء إليها أمربيه ربو الممتن في وجوده لولد عبد العزيز أكثر من الخالق و يطرح أسئلتها الفلسفية ولد الشدو المخضرم (بين جاهلية النظام و إسلام المعارضة) و يرسم خارطة توسعها ولد ابريد الليل بحبر سري في كهف مؤامرة مظلم .. و السبب أن هذا الشعب المحكوم بالترغيب و الترهيب وضع ثقته في غير محلها لتصبح رموز خيانته ما يتوهم أنها نخبته المنزهة.. ليشرب نخب الانتصار عليه كل من هب و دب : ولد هيدالة، ولد الطائع ، ولد عبد العزيز و لا أستبعد شخصيا أن يكون رئيسنا القادم محسن ولد الحاج أو بنه ولد الشنوف؛ لمَ لا ، و قد هانت حتى أصبحت حكومتنا جمعية معوقين عقليا، يتم انتقاؤها على معايير قبلية و جهوية تستجيب لمخطط تحكم أجنبي واضح الملامح ، قديم الترصد و معلن الأطماع؟
على الشباب الموريتاني اليوم و قد أصبح يواجه قساوة الحياة من دون وسيط و من دون معين أن يختار بين أن يكون أو لا يكون ..
البناء على ما كان عبث محقق، لا أحد يدري متى سينهار، لكنه سينهار حتما على رؤوسكم بعد ضياع العمر ..
لقد نبت ريش أجنحتكم ، فخذوا زمام المبادرة .. قرروا مصيركم بأيديكم .. انفضوا غبار هذا الخمول المهين .. دوسوا على جثة كل من يعترض طريق نهوض بلدكم .. افرضوا و لا تطلبوا .. انتزعوا و لا تجلسوا في انتظار من يأتي لإنقاذ بلدكم .. ارفعوا هاماتكم عاليا .. ارفعوا أنوفكم عن غبار هذا الفتات الذي يتهالك الجميع على موائد إهانته .. اركبوا موج المخاطر و المغامرات .. كونوا رجالا لا يهابون الموت و لا يتسولون البقاء لتستحقوا الحياة.. لتجدوا معنى لحياتكم .. لوجودكم ..
إذا لم تتداركوا موريتانيا اليوم، تأكدوا أن الأوان غدا، سيكون حتما قد فات..
أعيدوا أسئلة الماضي من جديد و تأكدوا أن الجواب الصحيح هو ما كنتم تؤجلون تصديقه تفاديا للحكم بالظن: نعم لقد خانوا جميعا و تلاعبوا جميعا بعقولكم و عبثوا بمصالحكم و سيهربون جميعا إذا ضاقت لأنهم تبنوا قديما "خذ خيرها و لا تجعلها وطنا" ..
فتداركوا موريتانيا لأنكم لن تجدوا وطنا غيرها ..
ليس مطلوب منكم الآن سوى أن تراجعوا أنفسكم لتتأكدوا من هذه الحقائق .. والبقية أسهل.